للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأما كونه تقام فيه صلاة الجماعة، فلأن الجماعة واجبة، واعتكاف الرجل في مسجد لا تقام فيه الجماعة يفضي إلى أحد أمرين: إما ترك الجماعة الواجبة، وإما خروجه إليها، فيتكرر ذلك منه كثيراً مع إمكان التحرز منه، وهذا ينافي الاعتكاف الذي هو لزوم المُعْتَكَفِ، والإقامة على طاعة الله فيه.

لكن هل يلزم أن يكون المسجد تقام فيه صلاة الجمعة؟ قولان:

الأول: أنه يلزم أن يعتكف في مسجد تقام فيه الجمعة إن تخلل اعتكافه جمعة، وهذا قول المالكية، وكذا الشافعية إن كان اعتكافه نذراً متتابعاً، وهو ظاهر اختيار الصنعاني (١).

والقول الثاني: أنه لا يلزم أن تقام فيه الجمعة؛ بل له أن يخرج لصلاة الجمعة، ولا يؤثر ذلك على اعتكافه، وهو مذهب الحنفية والحنابلة، وبه قال ابن حزم (٢)، واستدلوا بعموم قوله تعالى: {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ}، وهذا نص عام في كل مسجد، ولقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} … } [الجمعة: ٩]، وهذا يدل على أن الجمعة مستثناة من عدم البطلان بالخروج.

وهذا هو الراجح - إن شاء الله - لقوة دليله، لكن هل له التبكير إلى الجمعة؟ قولان:

الأول: أن له التبكير فيخرج إلى الجمعة في الوقت الذي كان يخرج فيه، وهذا قول أبي الخطاب وابن عقيل (٣)، لعموم الأحاديث الدالة على فضل التبكير إلى الجمعة، وهي تشمل المعتكف وغيره؛ ولأن هذا خروج جائز ومأذون فيه فجاز تعجيله؛ كالخروج لحاجة الإنسان، ولأنه قد انتقل من مكان عبادة إلى مكان عبادة، واللبث حاصل في مسجد اعتكافه أو في هذا المسجد الذي انتقل إليه.


(١) "المدونة" (١/ ٢٠٣)، "المجموع" (٦/ ٥١٣)، "سبل السلام" (٤/ ١٨٧).
(٢) "المحلى" (٥/ ١٧٩)، "بدائع الصنائع" (٢/ ١١٤)، "المغني" (٤/ ٤٦٦).
(٣) "الهداية" لأبي الخطاب (١/ ٨٨)، "المغني" (٤/ ٤٦٧)، "الإنصاف" (٣/ ٣٧٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>