للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وقد استدل القائلون بصحة حج النائب عن غيره إذا لم يحج عن نفسه بحديث ابن عباس رضي الله عنهما المتقدم في قصة الخثعمية، وفيه قال: «حُجِّي عَنْه» (١). وحديث بريدة رضي الله عنه: أنَّ امرَأةً سَأَلتْ رَسُول الله صلّى الله عليه وسلّم: أنَّ أُمَّهَا لم تَحُجَّ، فَهَل تَحُجُّ عَنهَا؟ فقال صلّى الله عليه وسلّم: «حُجِّي عَنْهَا» (٢).

ووجه الدلالة: أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم لم يسأل أحداً من هؤلاء هل حج عن نفسه أو لا؟ ولا أمر واحداً منهم أن يحج عن نفسه، والقاعدة في الأصول: أن ترك الاستفصال في مقام الاحتمال يُنَزَّلُ منْزلة العموم في الأقوال، قالوا: وحديث ابن عباس رضي الله عنهما مُخْتَلَفٌ في رفعه ووقفه، فلا يصلح حُجَّة في هذا الباب.

والذي يظهر - والله أعلم - أنه ليس للإنسان أن يحُجّ عن غيره حتى يَحُجّ عن نفسه، عملًا بحديث ابن عباس رضي الله عنهما؛ لأنه وإن كان موقوفاً، لكنه قول صحابي، لم يثبت خلافه، ثم هو حديث خاص، وتلك أحاديث عامة، ولا تعارض بين عام وخاص (٣)، والله أعلم.

الوجه الثالث: الحديث دليل على استحباب ذكر اسم المحجوج عنه في التلبية، وكذا المُعْتَمَرُ عنه، لإقرار النبي صلّى الله عليه وسلّم الرجل على ذلك، فيقول: لبيك عمرة عن فلان، أو لبيك حجّاً وعمرة، حسب النسك الذي طُلب منه، فإن نسي الاسم لم يضره، وتكفي النية.

الوجه الرابع: الحديث دليل على جواز حج الإنسان عن قريبه، سواء أكان حيّاً عاجزاً أم ميّتاً؛ لقوله: (أخ لي أو قريب لي).

الوجه الخامس: الحديث دليل على أنه ينبغي للمفتي أن يستفصل في مقام الاحتمال؛ لقوله: «من شبرمة؟»؛ لأنه يحتمل أن يكون هذا الملبي جاهلاً، فيقول: لبيك عن شبرمة، ويقصد نفسه، فلما تبين أن شبرمة رجل آخر بيّن له الحكم.


(١) تقدم تخريجه.
(٢) رواه مسلم (١١٤٩).
(٣) انظر: "مسائل الإمام أحمد رواية ابنه صالح" (٢/ ١٣٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>