للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فالمسألة لا زالت مشكلة، ولا بد من الجمع، وهو أن كل من رَوَى عنه الإفراد حُمل على ما أهلَّ به في أول الحال، وكل من رَوَى عنه القِران أراد ما استقر عليه أمره، ومما يؤيد القِران أن كل من روى الإفراد اختُلف عليه، فَرَوَى أنه اعتمر مع حجته، بخلاف من رووا عنه القران، ثم إن قوله صلّى الله عليه وسلّم: «لولا أن معي الهدي لأحللت» دليل بيِّن على ذلك.

وهذا ما اختاره ابن المنذر وابن حزم وابن حجر، وقال: (هذا هو الجمع المعتمد) (١)، والأحاديث الصحيحة الدالة على أنه صلّى الله عليه وسلّم كان قارناً تزيد على عشرين حديثاً، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية، وتبعه ابن القيم، أن من روى الإفراد قد روى أنه صلّى الله عليه وسلّم حج تمتعاً وقِرَاناً، فيتعين الحمل على القران، وأنه أفرد أعمال الحج وحده، ولم يفرد للعمرة أعمالاً.

أما من روى عنه التمتع، كما في حديث ابن عمر (تمتع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج … ) (٢)، فمعناه: أتى بهما في سفر واحد حيث قرن بينهما؛ لأنه لم يتحلل بينهما قطعاً، وهذا يدل على أن القِران بين العمرة والحج يسمّى: تمتعاً (٣).

قوله: (وأما مَن أهلَّ بحج، أو جمع الحجَّ والعمرةَ … إلخ) هذا القدر من الحديث فيه اختصار من بعض الرواة؛ لأنه ثبت عنها في «الصحيحين» التفصيل بذكر الهدي، وأن الذين ساقوا الهدي لم يَحِلُّوا حتى كان يوم النحر، وأما الذين لم يسوقوا هدياً فإنهم حلوا عند قدومهم حيث جعلوها عمرة، ولا أدري كيف ساق الحافظ هذه الرواية المختصرة وترك ما هو أوضح منها؟!

الوجه الثالث: الحديث دليل على مشروعية الأنساك الثلاثة - التمتع والقِران والإفراد ـ. وقد نقل ابن عبد البر وابن قدامة وغيرهما إجماع أهل


(١) "فتح الباري" (٣/ ٤٢٩).
(٢) أخرجه البخاري (١٦٩١)، ومسلم (١٢٢٧).
(٣) "الفتاوى" (٢٦/ ٦٦ - ٧٤) وفي مواضع أخرى، "زاد المعاد" (٢/ ١٢٠ - ١٢٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>