للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الوجه الخامس والعشرون: قوله: (ثم أذن ثم أقام، فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر) هذا فيه دليل على أن الخطبة قبل الصلاة، وعلى أن الأذان بعد الخطبة، ثم يصلي الإمام بالناس الظهر والعصر جمعاً وقصراً، بأذان واحد وإقامتين. وهكذا يفعل الناس في سائر أنحاء عرفة، لا فرق في ذلك بين أهل مكة وغيرهم، وهذا الجمع قيل: إنه لأجل النسك، وقيل: لأجل السفر، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (والصحيح أنه لم يجمع بعرفة لمجرد السفر، كما قصر للسفر، بل لاشتغاله بالوقوف واتصاله عن النزول، ولاشتغاله بالمسير إلى مزدلفة، فكان جمع عرفة لأجل العبادة، وجمع مزدلفة لاجل السير الذي جدَّ فيه: وهو سير إلى مزدلفة … ) (١).

الوجه السادس والعشرون: قوله: (ثم ركب حتى أتى الموقف، فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات … )، أي: ثم ركب من مكان خطبته وصلاته حتى أتى الموقف، وهو عند الجبل المعروف في شمال عرفة، ويسمى جبل (إلال) بوزن هلال، وتسميه العامة: جبل الرحمة (٢).

والظاهر أنه صلّى الله عليه وسلّم وقف عند الجبل من جهته الجنوبية، فيكون الجبل عن يمينه، ويستقبل القبلة، ويكون حبل المشاة أمامه، وحبل المشاة - بالحاء المهملة ـ: هو صفهم ومجتمعهم في مشيهم. وقيل: حبل المشاة: طريقهم الذي يسلكونه. والصخرات: هي صخرات مفترشة بالأرض، تقع خلف الجبل، والواقف عندها يستقبل الجبل والقبلة معاً.


(١) "قاعدة في الأحكام التي تختلف بالسفر والإقامة" لابن تيمية ص (٧١ - ٧٦).
(٢) تسميته بجبل الرحمة لا أصل لها؛ بل هي تسمية محدثة، لم تعرف إلا في أواخر القرن الرابع الهجري، ثم انتشرت في كتب التفسير والفقه والمناسك وغيرها، ولعل هذه التسمية بحكم ما يتفضل الله به على عباده في ذلك اليوم من الرحمة والمغفرة، لكن قد يكون في هذا الاسم مزيد إغراء لجهلة الحجيج بقصد الذهاب إليه والوقوف عليه، وفي ذلك إضرار عظيمٌ، لا سيما في شدة الحر، مع أن ذلك ليس من السنة؛ بل إذا صعده تعبدًا فهو بدعة؛ لأنه عمل غير مشروع. انظر: "مجموع الفتاوى" (٢٦/ ١٣٣)، رسالة "جبل إلَالٍ بعرفات" لبكر أبو زيد.

<<  <  ج: ص:  >  >>