للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وعرفة كلها موقف، لكن يجب على الواقف أن يتأكد من حدودها، وهي علامات يجدها من يطلبها؛ لأنها واضحة، ومن وقف خارجها لم يصح حجه؛ لأن الحج عرفة، كما تقدم.

الوجه السابع والعشرون: قوله: (واستقبل القبلة)، فيه بيان أن الواقف بعرفة يستقبل القبلة؛ لأن الموقف موقف ذكر ودعاء، وعلى الحاج أن يستفيد من عشية هذا اليوم، فيكثر من الدعاء والاستغفار، متضرعاً مقبلاً مظهراً الضعف والافتقار، وقد ذكر الفقهاء أن وقوفه راكباً أفضل، لفعله صلّى الله عليه وسلّم، ولأنه أعون على الدعاء، وهذا الإطلاق فيه نظر.

والذي يظهر - والله أعلم - أن الأفضل يختلف باختلاف أحوال الناس، فإن كان ممن إذا ركب رآه الناس لحاجتهم إليه، أو كان يشق عليه ترك الركوب وقف راكباً، وإن كان جلوسه على الأرض أخشع له، وأحضر لقلبه جلس؛ لأن مراعاة الكمال الذاتي للعبادة أولى من مراعاة الكمال في المكان (١).

الوجه الثامن والعشرون: قوله: (فلم يزل واقفاً حتى غربت الشمس … ) هذا فيه بيان وقت الانصراف من عرفة وكيفيته، فوقته بعد غروب الشمس. والصفرة: لون دون لون الحمرة، وهو شعاع الشمس بعد مغيبها، وقوله: (حتى غاب القرص) بيان لقوله: (غربت الشمس)؛ لأن هذا يطلق مجازاً على مغيب معظم القرص، فأزال الاحتمال بقوله: (حتى غاب القرص)، وهذا فيه دليل على مشروعية الوقوف بعرفة إلى غروب الشمس وتحقق كمال غروبها، وسيأتي الكلام على هذه المسألة - إن شاء الله - عند حديث عروة بن مضرس رضي الله عنه.

ثم دفع إلى مزدلفة (وقد شنق للقصواء الزمام) أي: ضمَّ وضيَّق عليها الزمام، وذلك بالجذب، والزمام: بالكسر هو الخطام، وهو الخيط الذي يشد إلى الحلقة التي في أنف البعير ليقاد به ويمتنع به من الإسراع في المشي، وقد فسر ذلك بقوله: (حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله)، و (مورك رحله) بفتح الميم وكسر الراء وقيل بفتحها (٢)، وهو الموضع الذي يجعل عليه الراكب رجله إذا ملَّ من الركوب.


(١) انظر: "مجموع الفتاوى" (٢٦/ ١٣٢)، "الشرح الممتع" (٧/ ٣٢٥).
(٢) انظر: "إكمال المعلم" (٤/ ٢٨١)، "شرح النووي على صحيح مسلم" (٧/ ٤٣٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>