اضطجع حتى طلع الفجر) لكن يستثنى من ذلك الوتر، فقد كان صلّى الله عليه وسلّم لا يدعه سفراً ولا حضراً، حتى كان يوتر على راحلته إذا جدَّ به السير، وأمر به أمته أمراً عاماً بدون استثناء، وعدم النقل ليس نقلاً للعدم. فإما أن يكون جابر رضي الله عنه سكت عن ذكره لأنه لا يدري، ولهذا لم ينفِ الوتر كما نفى التنفل في قوله:(ولم يسبح بينهما شيئاً)، أو أنه ترك ذكره للعلم به، ولأنه ليس من المناسك، والحديث في سياق المناسك، فالله أعلم.
وقد جاء عن بعض الصحابة رضي الله عنهم أنهم قاموا في هذه الليلة، كما ورد عن أسماء رضي الله عنها، وحديثها في «الصحيحين»، وسأذكره - إن شاء الله - عند الكلام على انصراف الضعفة من مزدلفة.
الوجه الثلاثون: قوله: (فصلى الفجر حين تبين الصبح … )، هذا فيه دليل على أن السنة في صلاة الفجر في مزدلفة المبادرة بها في أول وقتها، لكن عليه أن يتأكد من دخول الوقت، ولا يغترَّ بأذان غيره ممن قد يؤذن قبل دخول الوقت، ولعل هذه المبادرة ليتسع وقت الذكر والدعاء بعد الصلاة.
الوجه الحادي والثلاثون: قوله: (ثم ركب حتى أتى المشعر الحرام … ) هذا فيه بيان ما يفعله في مزدلفة بعد الصلاة. والمشعر الحرام: من أسماء المزدلفة، وهو مكان أو جبيل في مزدلفة، وعليه المسجد الآن، ووصف بالحرام؛ لأنه داخل حدود الحرم.
فالسنة للحاج بعد صلاة الفجر أن يستقبل القبلة، يذكر الله تعالى بالتكبير والتهليل، ويدعو، كما قال تعالى:{فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ}[البقرة: ١٩٨]، وقد ذكر الفقهاء أنه يسن رفع اليدين في الدعاء (١)، ويستمر على ذلك حتى يسفر جدّاً.
وعلى المسلم أن يحذر من إضاعة هذه الدقائق الغالية، فيشتغل بأمور لا داعي لها، فتطلع الشمس وهو في مكانه لم يتحرك، أو يبادر بالانصراف بعد الصلاة فيفوِّت على نفسه خيراً كثيراً.