للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الوجه الثاني والثلاثون: قوله: (حتى أتى بطن محسر … ) هذا فيه بيان كيفية الانصراف من مزدلفة، وهو أنه صلّى الله عليه وسلّم لما دفع قبل طلوع الشمس وأتى بطن محسر حرك دابته قليلاً، وهذه هي السنة فيمن أتى بطن محسر أن يحرك دابته قليلاً، وكذا سيارته إن أمكن، وإن كان ماشياً أسرع.

ومُحسِّر: بضم الميم، وفتح الحاء، بعدها سين مهملة مشددة مكسورة، بعدها راء: وادٍ بين مزدلفة ومنى، لا من هذه، ولا من هذه، وهو قول الجمهور (١)، وقال بعض العلماء: إنه من منى، لما ورد عن الفضل بن عباس، وكان رديف النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال في عشية عرفة وغداة جمع للناس حين دفعوا: «عليكم بالسكينة، وهو كافٌّ ناقته حتى دخل محسراً، وهو من منى … » الحديث (٢).

وقد ذكر الأزرقي أنه (٥٤٥) ذراعاً، قيل: سمي بذلك لأنه يحسِّر سالكه؛ أي: يُعْييه، وقيل: لأن فيل أصحاب الفيل حسَّر فيه؛ أي: أعيا، وهذا التعليل يؤيده إسراع النبي صلّى الله عليه وسلّم فيه؛ لأن هذه عادته صلّى الله عليه وسلّم في المواضع التي نزل بها بأس الله بأعدائه، لكن يشكل عليه أن الفيل لم يدخل الحرم أصلاً، وقيل: لأنهم كانوا في الجاهلية يقفون في هذا الوادي ويذكرون أمجاد آبائهم، فأراد النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يخالفهم، كما خالفهم في الخروج من عرفة، وفي الإفاضة من مزدلفة، وكل هذه أمور اجتهادية، وليس في المسألة دليل قاطع، فالله أعلم بحكمة إسراعه صلّى الله عليه وسلّم (٣).

الوجه الثالث والثلاثون: قوله: (ثم سلك الطريق الوسطى … )، هذا فيه بيان رميه صلّى الله عليه وسلّم جمرة العقبة، وهو أنه صلّى الله عليه وسلّم سلك (الطريق الوسطى) وهي الطريق القاصدة إلى الجمرات، ويبدو أن الطرق في منى ثلاثة: طريق شرقية، وغربية، ووسطى، وقوله: (الوسطى) مؤنث الأوسط، والطريق يذكَّر، في لغة نجد، وبه جاء القرآن في قوله تعالى: {فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا} [طه: ٧٧] ويؤنث


(١) انظر: "هداية السالك" (٣/ ١٢١٤).
(٢) أخرجه مسلم (١٢٨٢).
(٣) "أخبار مكة" للأزرقي (٢/ ١٨٩)، "مفيد الأنام" (٢/ ٣٢٨)، "الشرح الممتع" (٧/ ٣٤٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>