للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

في لغة الحجاز، كما في هذا الحديث، وقد ذكر النووي أن هذا الطريق غير الطريق الذي ذهب فيه إلى عرفات.

وقوله: (التي تخرج على الجمرة الكبرى) لعل وصفها بالكبرى باعتبار ما قبلها من الجمرتين الصغرى والوسطى، ولأنها تنفرد بالرمي يوم العيد.

وقوله: (التي عند الشجرة) هذا في الزمن القديم، وهذا فيه دليل على أن السنة للحاج إذا دفع من مزدلفة فوصل منى أن يبدأ بجمرة العقبة، ولا يفعل شيئاً قبل رميها، فيرميها بسبع حصيات كل حصاة (مثل حصى الخذف) وهي بالخاء المعجمة، وهو الرمي بحصاة تجعل بين السبابتين، وقدر حصى الخذف أكبر من حبة الحِمِّص قليلاً، وهذا يدل على صفة الحصى الذي يُرمى به، وأنه أكبر من حبة الحِمِّص قليلاً، وعلى هذا فلا يرمي بحجر كبير يؤذي المسلمين، ولا يجوز بالصغير الذي لا يمكن رميه؛ لأن الرمي عبادة لله تعالى، فلا بد أن يكون بما يمكن رميه. ويكبِّر مع كل حصاة: (الله أكبر)، وهذا من كمال التعبد لله تعالى، والتعظيم لأمره، ليحصل الجمع بين التعظيم بالقلب والتعظيم باللسان، وقد رماها صلّى الله عليه وسلّم (من بطن الوادي) جاعلاً منى عن يمينه ومكة عن يساره، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

ولم يذكر جابر رضي الله عنه من أين أخذ النبي صلّى الله عليه وسلّم حصى جمرة العقبة، وهذا يدل على أنه ليس لذلك مكان معين، فيلقطها الحاج من حيث شاء، وقد جاء في حديث ابن عباس - وفي رواية الفضل بن عباس - رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غداة العقبة وهو على راحلته: «هاتِ القط لي»، فلقط له حصيات نحواً من حصى الخذف، فلما وضعهن في يده قال: «مثل هؤلاء - ثلاث مرات - وإياكم والغلوَّ في الدين، فإنما هلك من كان قبلكم بالغلوِّ في الدين» (١).

وهذا كما ترى ليس فيه تحديد للمكان، وقد جزم ابن قدامة أن ذلك كان في منى (٢)، ولعله أخذ ذلك من قوله: (غداة العقبة)، وذكر ابن حزم أنه


(١) رواه النسائي (٥/ ٢٦٨)، وابن ماجه (٣٠٢٩)، وأحمد (١/ ٢١٥، ٣٤٧)، وابن الجارود (٤٧٣) وإسناده صحيح.
(٢) "المغني" (٥/ ٢٨٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>