للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

التقطها له من موقفه الذي رمى فيه، وتبعه الألباني، وهذا فيه نظر، فقد ورد في «الصحيحين»: «أنه رمى الجمرة ضحى»، وهذا يفيد أن الالتقاط كان قبل وقت الرمي (١)، وقد جاء في «صحيح مسلم» من حديث الفضل: (حتى إذا دخل محسراً وهو من منى، قال: «عليكم بحصى الخذف الذي يرمى به الجمرة … ») (٢)، وظاهر هذا أنه أمر بلقطها في طريقه، وبه جزم ابن القيم (٣). والمقصود أنه ليس للحصى مكان معين، ومن فهم أن السنة الالتقاط من مزدلفة - كما يفعله كثير من الحجاج - فقد غلط، لعدم الدليل على ذلك.

الوجه الرابع والثلاثون: قوله: (ثم انصرف إلى المنحر فنحر)، هذا فيه دليل على استحباب التثنية بالنحر بعد رمي جمرة العقبة، وقد نحر النبي صلّى الله عليه وسلّم ثلاثاً وستين بدنة بيده الشريفة، ثم أعطى عليّاً فنحر الباقي، وكان هديه صلّى الله عليه وسلّم مائة بدنة.

والمتمتع والقارن كلاهما عليه هدي شكران لا جبران، أما المتمتع ففيه نص القرآن، قال تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}، وأما القارن فوجوب الهدي عليه هو مذهب جمهور العلماء إما بالقياس على المتمتع أو لدخوله في عموم قوله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ}، وقد تقدم أن الصحابة رضي الله عنهم أطلقوا لفظ التمتع على نسك النبي صلّى الله عليه وسلّم، وهو قارن.

وقال ابن حزم: (لا هدي على القارن، إلا الذي كان معه عند إحرامه) (٤) وقال ابن قدامة: (لا نعلم في وجوب الدم على القارن خلافاً، إلا ما حكي عن داود، أنه لا دم عليه، وروي ذلك عن طاوس، وحكى ابن المنذر أن ابن داود لما دخل مكة سئل عن القارن، هل يجب عليه دم؟ فقال: لا. فَجُرَّ برجله. وهذا يدل على شهرة الأمر بينهم) (٥).

ودم التمتع هو دم نسك وعبادة، فهو دم شكر حيث حصل للعبد نُسُكان


(١) انظر: "هداية السالك" (٣/ ١١٩٧ - ١١٩٨)، "حجة النبي -صلى الله عليه وسلم-" ص (٩٠).
(٢) تقدم تخريجه قريبًا.
(٣) "زاد المعاد" (٢/ ٢٥٤).
(٤) "المحلى" (٧/ ١١٩).
(٥) "المغني" (٥/ ٣٥٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>