للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

في سفر واحد وزمن واحد، وهو من تمام النسك وكماله، وهو من رحمة الله تعالى بعباده وإحسانه إليهم، حيث شرع لهم ما به كمال عبادتهم وزيادة أجرهم، وأباح لهم بسببه التحلل أثناء الإحرام، لما في استمراره عليهم من المشقة، ولهذا كان الدم فيه وفي القِران دم شكر لا دم جبران، إذ لا نقص في هذا النسك حتى يجبر، فيأكل منه الحاج، ويهدي، ويتصدق، فعليه أن يعرف هذه الفائدة، فإن في الدم أو بدله أجراً، كما أن في التمتع أجراً، فلا يَحْرِمُ الإنسان نفسه ذلك، فيحج مفرداً لئلا يلزمه الدم.

وقد تقدم أن القارن إذا لم يكن معه هدي، فإنه يشرع له فسخ إحرامه إلى عمرة، وأن أفضلية القران إنما هي في حال سوق الهدي، كنسك النبي صلّى الله عليه وسلّم.

ولم يرد ذكر الحلق في هذه الرواية، وقد جاء عند أحمد من حديث جابر رضي الله عنه: (نحر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فحلق) (١)، وفي حديث أنس رضي الله عنه: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أتى منى، فأتى الجمرة فرماها، ثم أتى منزله بمنى ونحر، ثم قال للحلاق: «خذ»، وأشار إلى جانبه الأيمن ثم الأيسر، ثم جعل يعطيه الناس (٢). وهذا يدل على أن السُّنَّة أن يكون الحلق بعد النحر، فتكون هذه الأعمال الثلاثة يوم النحر مرتَّبة، فإن قدم بعضها على بعض فلا بأس، كما سيأتي إن شاء الله.

الوجه الخامس والثلاثون: قوله: (ثم ركب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأفاض إلى البيت، فصلى بمكة الظهر) معنى (فأفاض) أي: طاف طواف الإفاضة، وهذا فيه دليل على استحباب طواف الإفاضة بعد الرمي والنحر والحلق إن تيسر، وإلا فالأمر فيه سعة، فإن لم يستطع الطواف في هذا الوقت لانشغاله بالرمي، أو بنحر هديه وتفريقه، فله تأخير الطواف إلى آخر يوم النحر أو أيام التشريق.


(١) انظر: "حجة النبي -صلى الله عليه وسلم-" للألبانى ص (٩٣).
(٢) رواه مسلم (١٣٠٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>