للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وبهذا يتبين أن هذا الحديث قد أعله كبار المحدثين، وله شاهد من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - عند الطبراني (١)، قال عنه أبو حاتم: (حديث باطل)، وآخر من حديث علي - رضي الله عنه -، وهو كالذي قبله (٢).

° الوجه الثالث: في شرح ألفاظه:

قوله: (أي الكسب أطيب) الكسب: هو السعي في طلب الرزق والمعيشة، وقال الشيباني: (الاكتساب: تحصيل المال بما يحل من الأسباب) (٣).

قوله: (أطيب) أي: أحل وأبرك؛ لأن الطيب هو الحلال (٤).

قوله: (عمل الرجل بيده) لفظ (الرجل) خرج مخرج الغالب؛ لأن الرجل هو المطالب بتهيئة القوت والمسكن وتوابع ذلك، والمرأة مثل الرجل في ذلك إذا احتاجت للإنفاق على نفسها أو أولادها. وعمل اليد: كالزراعة والصناعة والنجارة والحدادة والكتابة، ونحو ذلك.

وقوله: (وكل بيع مبرور) هو ما توفرت فيه شروطه وأركانه، وانتفت موانعه ومفسداته، وقام على الصدق وبيان الحقيقة، وخلا من الغش والخداع.

° الوجه الرابع: الحديث دليل على أن التكسب والسعي في طلب الرزق الحلال لا ينافي التوكل على الله تعالى، بل هو من فعل الأسباب المأمور بها شرعًا؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أقر السائل عن أطيب الكسب، وأجابه عن سؤاله فأرشده إلى أطيب المكاسب.

والتكسب هو طريق المرسلين الذين أمرنا الله تعالى بالاقتداء بهديهم، قال تعالى: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: ٩٠]، وقد كان زكريا - عليه السلام - نجارًا (٥)، وكان داود - عليه السلام - لا يأكل إلا من عمل يده (٦)، والنبي - صلى الله عليه وسلم - رعى الغنم على قراريط لأهل مكة (٧)، واتجر بمال خديجة - رضي الله عنها - (٨).


(١) "الأوسط" (٣/ ٨٢).
(٢) انظر: "العلل" (١١٦٨)، (١١٧٢).
(٣) "الكسب" ص (٣٤).
(٤) "النهاية" (٤/ ١٧١).
(٥) أخرجه مسلم (٢٣٧٩).
(٦) أخرجه البخاري (٢٠٧٣).
(٧) أخرجه البخاري (٢٢٦٢).
(٨) انظر: "صحيح السيرة النبوية" (١/ ١٦٤، ٣٢١).

<<  <  ج: ص:  >  >>