للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والقول الثاني: التفريق بين الجامد والمائع، وأن الجامد يحكم فيه بنجاسة ما جاور النجاسة وبطهارة الباقي، بل حكى ابن عبد البر الاتفاق على ذلك (١)، وأما المائع فكله ينجس بملاقاة النجاسة، قلَّ أم كثر، تغير أم لم يتغير، وهذا مذهب الجمهور، مستندين إلى الزيادة المذكورة في رواية معمر.

وبهذا يتبين أن سبب الخلاف هو الاختلاف في تصحيح الزيادة المذكورة في الحديث.

والقول الأول أرجح، وهو عدم تنجس المائعات إلا بالتغير، لقوة دليله، وقد أفتى بذلك عدد من الصحابة، كابن عباس وابن مسعود وغيرهما - رضي الله عنهم - (٢).

وهو اختيار الشيخ عبد العزيز بن باز.

وأما زيادة معمر عن الزهري التي تفرق بين المائع والجامد فهي ضعيفة، كما تقدم، إضافة إلى أن فيها اضطرابًا، وقد أفتى الزهري الذي مدار الحديث عليه بخلافها، فقد روى البخاري من حديث يونس أن الزهري سئل عن الدابة تموت في السمن الجامد وغيره، فأفتى بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بفارة ماتت في سمن فأمر بما قرب منها فطرح (٣). فهذه فتيا الزهري الذي مدار الحديث عليه في الجامد وغير الجامد، وقد حكم عليهما باستواء الحكم، فيكيف يروي التفريق بينهما؟!. ولأن مائع الدهن وأشباهه قريب من الجامد؛ لأنه ليس له الميعان الكامل.

ثم إن القول بتنجس المائعات لا يخلو من حرج ومشقة لوجود القناطير المقنطرة من الزيت الذي يكون في معاصر الزيتون أو العسل أو غيرهما، ولا يمكن صيانتها عما يقع فيها، فالقول بنجاسة ذلك فيه حرج شديد، فإنه لو كان ماء لما أُتلف ما دون القلتين عند الجمهور، فكيف بالمائعات من الدهن والعسل ونحوهما؟!.

° الوجه الثالث: أن الحكم بطهارة السمن ونحوه، مشروط بألا يتغير


(١) "التمهيد" (٩/ ٤٠).
(٢) "الفتاوى" (٢١/ ٤٩٧، ٤٩٨).
(٣) "صحيح البخاري" (٥٥٣٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>