للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الثالث: أن يبيعه سلعة بمائة إلى أجل ثم يشتريها منه حالًّا بأقل، وهذه مسألة العينة، كما سيأتي؛ لأن البيع بمائة عقد، والشراء بثمانين عقد آخر، وهذا هو الذي تدل عليه رواية أبي داود، وقد اختار هذا التفسير ابن تيمية، وابن القيم حيث قال: (هذا معنى الحديث الذي لا معنى له غيره) (١).

قوله: (فله أوكسهما أو الربا) قال في "اللسان": (الوكس: النقص). والمعنى: أن من باع سيارة -مثلًا- بمائة ألف مؤجلة، ثم اشتراها بثمانين نقدًا، فلا يخلو من أمرين: إما أن يمضي العقد وهذا هو الربا؛ لأن حقيقة الأمر أنه أعطاه ثمانين بمائة، وجعل السلعة واسطة، حيلة على الربا. وإما أن يأخذ الأقل وهي الثمانون، ويسلم من الربا، وهذا هو الأوكس، بمعنى: الأنقص.

° الوجه الثالث: الحديث دليل على النهي عن بيعتين في بيعة، وهذا يقتضي تحريم العقد وفساده، وقد اتفق الفقهاء على القول بموجب أحاديث النهي عن بيعتين في بيعة، ولكنهم اختلفوا في تفسير ذلك؛ كما تقدم (٢).

فأما التفسير الأول فليس فيه بيعتان، وإنما هي بيعة واحدة بثمن مبهم، فإن اتفقا على أحدهما قبل التفرق فالأمر واضح، وإن تفرقا على غير شيء بقي الثمن مجهولًا، واختل شرط من شروط البيع، فلا يصح، إلا إن كان بينهما خيار ليومين -مثلًا- فتكون العلة عدم استقرار الثمن، وهذا المعنى بعيد من هذا الحديث، لما تقدم (٣).

وأما على التفسير الثاني فهما عقدان لا محذور فيهما في الظاهر إلا تعليق البيع بشرط مستقبل يجوز وقوعه وعدم وقوعه، فلم يستقر الملك. قال الشيخ عبد الرحمن السعدي: (الحديث لا يتناول هذه الصورة لا بلفظه ولا بمعناه، ولا محذور في ذلك) (٤)، على أن الشوكاني ذكر أن هذا التفسير


(١) "الفتاوى الكبرى" (٣/ ١٣٩)، "إعلام الموقعين" (٣/ ١٦١)، "تهذيب السنن" (٥/ ١٠٦).
(٢) راجع: "التمهيد" (٢٤/ ٣٩٠).
(٣) "المغني" (٦/ ٣٣٣)، "إعلام الموقعين" (٣/ ١٦٢).
(٤) "الفتاوى السعدية" ص (٢٨١).

<<  <  ج: ص:  >  >>