للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٣ - أن غير قوت الآدمي لا تعم الحاجة إليه، فأشبه الثياب والحيوانات.

والقول الأول هو الراجح، وهو أن الاحتكار يكون في كل شيء من أقوات الآدميين والبهائم وسائر السلع التي يحتاجها الناس. ووجه الترجيح: عموم الدليل الذي ينهى عن الاحتكار، ولأن القول بالعموم هو الذي يتفق مع العلة التي من أجلها نهى عن الاحتكار، فإن حاجة الناس قد لا تكون مقصورة على القوت، فقد تكون في الثياب كأيام الشتاء، أو في أدوية، أو نحو ذلك.

وأما حديث: "نهى أن يحتكر الطَّعام"، فلا يصح الاستدلال به على تخصيص الاحتكار بالطعام لأمرين:

الأول: أن ذكر الطَّعام من باب ذكر ما يقع فيه الاحتكار؛ لأن الطَّعام فرد من أفراده، وليس من باب تقييد المطلق.

الثاني: أن أحاديث الاحتكار منها ما هو مطلق، ومنها ما هو مقيد بالطعام، والقاعدة في الأصول أن ما كان من الأدلة على هذا الأسلوب يعمل فيه بالمطلق على إطلاقه، ولا يقيد بالمقيد، لعدم التعارض بينهما، لكون حكمهما واحدًا.

وأما التعليل بأن غير الأقوات لا ضرر فيه غالبًا فهو مردود، فإن حكمة النهي -كما تقدم- دفع الضرر عن عامة الناس فيما يحتاجون إليه من أقوات وغيِرها.

وأما ما ورد عن احتكار معمر وسعيد، فالظاهر كما قال الحافظ البيهقي وغيره أنَّه محمول على احتكارٍ لا ضرر فيه، فلا يكون محرمًا (١)، وإنما هو من قبيل الاحتكار للتوسعة على الناس وقت الحاجة، فإنه لا يجوز على سعيد بن المسيب في علمه وفضله أن يروي حديثًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم يخالفه، وهو على الصحابي أبعد إمكانًا، وعلى فرض التعارض وعدم القدرة على


(١) "معالم السنن" (٥/ ٩٠)، "السنن الكبرى" (٦/ ٣٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>