للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

• الوجه الثالث: الحديث دليل على جواز تصرف الفضولي إذا رأى المصلحة في جانب موكله، وإن لم يعين له ذلك.

والفضولي عند الفقهاء: من يتصرف في حق الغير بلا إذن شرعي، من بيع أو إجارة أو رهن أو هبة ونحو ذلك من العقود والتصرفات، وهذا المعنى الشرعي راجع للمعنى اللغوي، فإن الفضولي في اللغة وصف يستعمل في حق من يشتغل بما لا يعنيه، نسبة إلى الفضول جمع فضل، وهو الزِّيادة.

فإذا اشترى شيئًا لم يأذن فيه صاحبه، فإن الشراء صحيح، ويكون موقوفًا على إجازة صاحبه، فإن أمضى التصرف وأجازه صح، وإن لم يمضه لزمه هو؛ لأن صاحبه لم يأذن له فيه، فقد كان عروة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - فضوليًّا في شرائه الشاة الثانية ثم بيعها بعد ذلك، ولو كان بيعه وشراؤه باطلًا ما أقره النبي - صلى الله عليه وسلم - عليه، وما استحلَّ لنفسه الدينار، بل لأَمَره بإعادته إلى صاحبه وَرَدِّ الشاة، فدل ذلك على أن عقده كان صحيحًا موقوفًا على الإجازة، وقد أجازه النبي - صلى الله عليه وسلم - ودعا له بالبركة في بيعه، وهذا عنوان الرضا.

وهذا قول أبي حنيفة وصاحبيه، وهو رواية عن الإِمام مالك، وعن الإِمام أحمد، اختارها الشيخ عبد الرحمن السعدي (١)، والشيخ عبد العزيز بن باز.

والقول الثاني: أن تصرف الفضولي لا يصح؛ لأن الموكِّل لم يرضَ بخروج نقوده من ملكه على غير الوجه الذي يرتضيه، وهذا قول الشَّافعية، والصحيح من مذهب الحنابلة (٢). واستدلوا بحديث حكيم بن حزام: "لا تبع ما ليس عندك" (٣) أي: ما ليس في ملكك وحيازتك، والفضولي يبيع ما ليس عنده، وهو بيع منهي عنه بهذا الحديث وأمثاله.

والقول الأول أرجح، فإن حديث الباب نص صريح في جواز ذلك؛


(١) "المدونة" (٢/ ١٥٥، ١٥٦)، "المغني" (٦/ ٢٩٥)، "المختارات الجلية" ص (٨٦).
(٢) "المجموع" (٩/ ٢٥٩)، "الإنصاف" (٤/ ٢٨٣).
(٣) تقدم تخريجه في باب "من مسائل البيع".

<<  <  ج: ص:  >  >>