للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والحكمة من مشروعية خيار المجلس إعطاء؛ المتعاقدين فرصة للتأمل والنظر، وحصول تمام الرضا الذي لا بد منه في العقود؛ لأن البيع قد يقع بغتة من غير تروٍّ ولا نظر، فأثبت الشارع خيار المجلس لذلك ما دام المتعاقدان في مكانهما.

ولم يرد في الحديث ضابط التفرق، فيكون مرجعه إلى العرف، فما عده الناس تفرقًا لزم به العقد حسب اختلاف المكان الذي حصل به التبايع، فلو كانا في السوق فيحصل التفرق بمفارقة أحدهما للآخر، وذلك بأن يمشي قليلًا، وإن كانا في محل أو نحوه فبخروج أحدهما، أو في سيارة بنزول أحدهما منها، فإن كان البيع عن طريق الهاتف بقي خيارهما من صدور القبول من المشتري إلى نهاية المكالمة بينهما ولو طالت، فإذا انتهت لزم العقد، تنزيلًا لانقطاع الكلام منزلة التفرق بالأبدان (١).

° الوجه الرابع: القول بإثبات خيار المجلس، هو مذهب الجمهور من الصحابة والتابعين والأئمة وأرباب المذاهب، وبه قالت الظاهرية وابن حبيب، وابن عبد البر من المالكية (٢). مستدلين بحديث ابن عمر هذا وغيره مما ورد في هذا الباب.

وذهب أبو حنيفة ومالك وأكثر أصحابهما إلى عدم ثبوت خيار المجلس وأن العقد متى تمَّ في مجلسه بصدور القبول امتنع الرجوع إلا بعيب أو نحوه؛ لأن صفة العقد الإلزام، ولا إلزام إذا أجزنا لأيّ منهما الرجوع (٣). وقد استدلوا بادلة لا علاقة لها بمحل النزاع، كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: ١]، فقالوا: إن البيع عُقِدَ قبل التخيير، فيجب الوفاء به، وخيار المجلس يؤخر الوفاء به.


(١) "خيار المجلس والعيب في الفقه الإسلامي" ص (١٠١).
(٢) "التمهيد" (١٤/ ١١)، "المحلى" (٨/ ٣٥١).
(٣) "فتح القدير" (٥/ ٨١)، "المدونة" (٤/ ١٨٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>