للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لعمرو: أعطيك عن البر ألف ريال ولكنها مؤجلة، فهذا لا يجوز؛ لأن العوضين -وهما البر والريالات- مما يجري فيه ربا النسيئة، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدًا بيد"، وعلى هذا فلا بد من التقابض، فإذا كان أحد العوضين لا يجري فيه الربا، فقولان، مثال ذلك: أن يبيع عاصم على خالد ثلاجة بألف ريال إلى سنة، فلما حَلَّ الأجل أعطاه خالد مقابل الألف عشرة أثواب إلى سنة، فالأكثرون على أنها لا تصح؛ لعموم الحديث وما ذكر من الإجماع، وقال بجوازها شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وآخرون. وقد نقل ابن القيم عن شيخه أنه نفى الإجماع في مسألة بيع الدَّين بالدَّين (١).

فمن أجاز ذلك قال: إن هذه المعاملة لا تدخل في معنى الحديث، فإن الكالئ هو المؤخر الذي لم يقبض -كما تقدم- وهنا ليس فيه بيع كالئ بكالئ، وإنما كانت ذمة المشتري مشغولة بشيء وهو الألف، فانتقلت إلى شاغل آخر وهي الأثواب، وهذا مثل ما لو كان لكل منهما عند الآخر وديعة فاشتراها بوديعته عند الآخر، والمقصود أنه نُهي عن بيع الدين بالدين؛ لئلا تبقى ذمة كل منهما مشغولة بغير فائدة حصلت، وأما في هذه المسألة فقد حصل بهذا العقد براءة كل منهما (٢).

وهذا قول وجيه، لكن بشرط ألا يربح في هذه المعاملة، لئلا يربح فيما لم يدخل في ضمانه، إضافة إلى ما تقدم وهو ألا يكون العوضان مما يجري فيهما ربا النسيئة، فإن تحقق هذان الشرطان جاز وإلا فلا.

ولعل الحكمة -والله أعلم- من النهي عن بيع الدين بالدين ما فيه من المضار الكثيرة، فإنه إذا باع دينًا بدين حصل بهذا التسامح والتساهل، فتكثر الديون في الذمم، وتعظم المشقة، ويعظم الحرج، فمن رحمة الله أن جاءت الشريعة بالنهي عن ذلك حتى لا يتساهل المعدمون بهذه البيوع التي تضرهم


(١) "تفسير آيات أشكلت" (٢/ ٦٣٧)، "إعلام الموقعين" (٣/ ١٧٣).
(٢) "نظرية العقد" ص (٢٣٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>