واستدلوا بأحاديث الباب، حيث دلت على أن الجار أحق بالدار من غيره لقربه، فدل ذلك على استحقاق الجار للشفعة في عقار جاره بسبب الجوار.
قالوا: ولأن حق الأصيل وهو الجار أسبق من حق الدخيل، وكل معنى اقتضى ثبوت الشفعة للشريك فمثله في حق الجار، والناس يتفاوتون في الجوار تفاوتًا فاحشًا، ويقع بينهم من العداوة ما هو معهود، والضرر من ذلك دائم متأبد، ولا يندفع إلا برضى الجار، إن شاء أقر الدخيل على جواره، وإن شاء انتزع الملك بثمنه، واستراح من المجاورة ومفسدتها.
القول الثاني: أن الشفعة لا تثبت للجار مطلقًا، وهذا قول الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة، والأوزاعي وإسحاق وابن المنذر، وجماعة من السلف (١).
واستدلوا بحديث جابر المتقدم:(قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالشفعة فيما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق؛ فلا شفعة)، ورواه البخاري بلفظ:(إنما جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - الشفعة في كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة).
ووجه الاستدلال: أن الحديث دل على إثبات الشفعة في غير المقسوم، ونفيها بعد القسمة، لوقوع الحدود، وتصريف الطرق، والحدود بين الجارين واقعة، والطرق مصروفة، فتكون الشفعة منتفية.
قالوا: ولأن الشفعة تثبت للشريك نظرأ لوجود الضرر اللاحق بالشركة، أما إذا قسمت الأرض فلا شفعة لانتفاء الضرر، فإن حصل ضرر بسبب الجوار أمكن إزالته بالمرافعة إلى السلطان.
وأجابوا عن أدلة الأولين: بأن المراد بالجار: الشريك؛ لأنه يجاور شريكه ويساكنه في الدار المشتركة بينهما، جمعًا بين هذه الأدلة والأدلة التي تقدمت أول الباب.