للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

القول الثالث: أن الشفعة تثبت للجار إذا كان له مع جاره مرافق مشتركة من طريق واحد، أو حوش، أو مسيل، أو بئر مشتركة، أو نحو ذلك، ولا تثبت إذا لم يكن شيء من ذلك، وهذا رواية عن الإمام أحمد، اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، والشيخ عبد الرحمن السعدي (١).

واستدلوا بحديث جابر - رضي الله عنه -: (الجار أحق بشفعة جاره … إذا كان طريقهما واحدًا) فدل الحديث على إثبات الشفعة للجار مع اتحاد الطريق.

كما استدلوا بحديث أبي رافع- المتقدم- في قصته مع سعد - رضي الله عنه - حيث عرض عليه شراء البيتين اللذين في دار سعد، والطريق كان واحدًا بلا ريب، مع أن حديث أبي رافع في غير الشفعة؛ لأن أبا رافع لم يبع، والشفعة إنما تكون بعد البيع بمثل الثمن، لكن قال الصنعاني: (إن الحديث وإن ذكره أبو رافع في البيع فهو يعم الشفعة بالجوار) (٢)، ولهذا ذكره البخاري في كتاب "الشفعة"، وبَوَّبَ له بما تقدم.

قالوا: ولأن الاشتراك في المرافق كالاشتراك في الملك بسبب كثرة المخالطة، ووجود الضرر بين الشركاء، وقد يؤدي ذلك إلى حصول النزاع فيما بينهم، والشفعة شرعت لإزالة الضرر.

وهذا القول أرجح الأقوال؛ لأنه يجمع الأدلة كلها، ويحمل مطلقها على مقيدها، فإن حديث جابر - رضي الله عنه -: (إذا وقعت الحدود وصرفت الطرق) منطوقه انتفاء الشفعة عند معرفة كل واحد حَدَّهُ، وحديث: (إذا كان طريقهما واحدًا .. ) منطوقه إثبات الشفعة بالجوار عند الاشتراك في الطريق وانتفاؤها عند تصريف الطريق.

وإذا كانت الشفعة لا تثبت للجار إلا بالاشتراك في المرافق التي تكون بين الجيران خاصة، فقد يكون الحكم داخلًا فيما لم يقسم، ويغلَّب


(١) "الإنصاف" (٦/ ٢٥٥)، "إعلام الموقعين" (٢/ ١٣١)، "بهجة قلوب الأبرار" ص (١١٩).
(٢) "سبل السلام" (٥/ ٢٤٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>