للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مواشيهم، وقد كانت هذه عادة جاهلية، فقد كان الشريف منهم إذا نزل أرضًا مخصبة استعوى كلبه على مكان عال، فإلى حيث انتهى صوته حماه من كل جانب فلا يرعى فيه غيره، ويرعى هو مع غيره فيما سواه، فنهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك لما فيه من التضييق على الناس ومنعهم من الانتفاع بشيء لهم فيه حق، وأضاف الحمى إلى الله ورسوله (١).

ولم يحم النبي - صلى الله عليه وسلم - لنفسه شيئًا وإنَّما حمى للمسلمين، فقد روى ابن عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذَّاد - أحد رواته -: فقلت له - لعبد الله العمري -: لخيله؛ قال: لا، لخيل المسلمين (٢).

• الوجه الرابع: على الراجح من قولي أهل العلم أن ولي الأمر يقوم مقام النبي - صلى الله عليه وسلم - في جواز الحمى، فله أن يحمي ما يرى فيه مصلحة للمسلمين لإبلهم ودوابهم، وأموال الصدقة، وهذا هو الحمى الشرعي، وإذا رأى المصلحة في ترك ذلك تركه.

وهذا بشرط ألا يضر بالناس، فإن كان الحمى يضر بالناس لم يحم واشترك معهم، كأن يكون وقت جدب أو قحط أو قلة في العلف، لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم - ولعل هذا هو غرض الحافظ من إيراد هذا الحديث في هذا الباب.

وقد حمى عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - الرَّبَذَةَ (٣)، واستعمل عليها مولى له يدعى هُنَيًّا على الحمى، فقال: (يا هُنَيُّ اضمم جناحك عن المسلمين، واتق دعوة المسلمين، فإن دعوة المظلوم مستجابة، وأدخل ربَّ الصُّريمة ورب الغُنيمة، وإياي ونَعَم ابن عوف ونَعَم ابن عفان، فإنهما إن تهلك ماشيتهما يرجعا إلى نخل وزرع، وإن رب الصريمة وربَّ الغنيمة إن تهلك ماشيتهما يأتيني ببنيه، فيقول: يا أمير المؤمنين، أفتاركهم أنا لا أبا لك؛ فالماء والكلأ أيسر عليَّ من الذهب


(١) انظر: "الأم" للشافعي (٤/ ٤٨).
(٢) أخرجه أحمد (١٠/ ٤٧٦)، وأَبو عبيد في "الأموال" (٢٩٨)، والبيهقي (٦/ ١٤٦)، وفيه عبد الله بن عمر العمري، وهو ضعيف، وقد تابعه عاصم بن عمر العمري عند ابن حبان (١٠/ ٥٣٨).
(٣) مكان شرق المدينة بِمَيل نحو الجنوب. ["المغانم المطابة] ص (١٥١ - ١٥٢)].

<<  <  ج: ص:  >  >>