للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

جعلها له رقبى. والرقبى: بضم الراء مأخوذة من المراقبة. قال ابن الأثير: (هو أن يقول الرجل للرجل: قد وهبت لك هذه الدار، فإن مِتَّ قبلي رجعتْ إليّ، وإن مِتُّ قبلك فهي لك، فكل منهما يرقب موت صاحبه .. ) (١).

وهي نوع من الهبة -أيضًا- يعلق الرجوع فيها بموت الموهوب له، فالواهب يترقب وفاته، وهذا مأخذ اشتقاقها.

وهذا النهي في قوله: "لا ترقبوا ولا تعمروا" يراد به إعلامهم أن العمرى هبة صحيحة يملكها الموهوب له هبة تامة، ولا تعود إلى الواهب أبدًا، فإذا علموا ذلك صاروا على بصيرة من أمرهم، فمن شاء أعمر، ومن شاء ترك، ولا يراد به التحريم، لصحة الأحاديث المصرحة بالجواز، كما تقدم.

• الوجه الثالث: الحديث دليل على مشروعية العمرى والرقبى، وأنها مُملِّكة لمن وهبت له، لقوله: "العمرى لمن وهبت له"، وهما نوعان من الهبة كانوا يتعاطونهما في الجاهلية، فكان الرجل يعطي الرجل الدار أو غيرها، ويقول: أعمرتك إياها، فكانوا يرقبون موت الموهوب له ليرجعوا في هبتهم، وقد يترتب على ذلك نزاع وعداوة، فجاء الشرع وأقر الهبة، وأبطل الرجوع.

• الوجه الرابع: الحديث دليل على أن من أُعْمِر عمرى فإنها تكون له مدة حياته ولذريته من بعده، ولا تعود إلى الواهب بحال، سواء كانت العمرى مؤبدة، كأن يقول: هذا الدار لك ولعقبك من بعدك، ونحوه مما يشعر بالتأبيد، أو كانت مطلقة، كأن يقول: أعمرتكها، لقوله: في رواية أبي الزبير، عن جابر: "فإنه من أَعْمر عمرى فهي للذي أُعمرها حيًّا وميتًا ولعقبه" فهذه الرواية مطلقة عن التأبيد لكنها مقيدة بالرواية التي بعدها: (إنما العمرى التي أجاز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقول: هي لك ولعقبك … )، وعلى هذا فلا ترجع إلى الواهب.

• الوجه الخامس: اختلف العلماء فيما إذا شرط الواهب الرجوع في


(١) "النهاية" (٢/ ٢٤٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>