للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

القول الثاني: أن الزواج مندوب، وهذا قول الجمهور، ومنهم الأئمة الثلاثة، والرواية الثانية عن أحمد (١)، لكنهم يقولون: إن كان توقانه إلى الزواج شديدًا بحيث يخشى على نفسه الوقوع في الزنا وجب عليه الزواج متى قدر على تكاليفه.

واستدلوا على الاستحباب بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (٥) إلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيرُ مَلُومِينَ (٦)} [المؤمنون: ٥، ٦] ووجه الاستدلال: أن هذه الآية صريحة في مدح من حفظ فرجه من الزنا بملك يمينه باستغنائه عن الزواج، فلو كان حكم الزواج الوجوب لما مُدح من تركه؛ لأن تارك الواجب لا يمدح بل يذم.

كما استدلوا بحديث الباب، ووجه الاستدلال أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقام الصوم مقام الزواج، والصوم في هذه الحالة ليس بواجب، فدل على أن الزواج غير واجب؛ لأن غير الواجب لا يقوم مقام الواجب، وهذا الاستدلال فيه نظر (٢).

والذي يظهر -والله أعلم- وجوب النكاح مطلقًا بشرطين: أن يكون ذا شهوة، وأن يكون قادرًا على مؤنة النكاح، استنادًا لحديث الباب، ولأن درء المحرم واجب، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وما أحسن قول القرطبي: (المستطيع الذي يخاف الضرر على نفسه ودينه من العُزوبة بحيث لا يرتفع عنه إلا بالتزويج، لا يُختلف في وجوب التزويج عليه) (٣).

° الوجه الخامس: في الحديث بيان حكمة عظيمة من حكم النكاح، وهي حفظ كل من الزوجين وصيانته عن الوقوع في المحظور، وذلك إنما يتم بالزواج، وهذا من مصالحه العظيمة.

° الوجه السادس: في الحديث دليل على أن الإنسان لا يتكلف للزواج بغير الممكن كالاستدانة؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - أرشد إلى الصيام، وقد ذكر شيخ الإسلام


(١) "بداية المجتهد" (٣/ ٧)، "شرح فتح القدير" (٣/ ١٨٧)، "المغني" (٩/ ٣٤٠)، "مغني المحتاج" (٣/ ١٢٧).
(٢) "المُعلم" للمازري (٢/ ٨٥).
(٣) "المفهم" (٤/ ٨٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>