للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

ابن تيمية أن في المسألة نزاعًا في مذهب أحمد وغيره، وقد قال الله تعالى: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور: ٣٣] فظاهر الآية أنه لا ينبغي للفقير أن يستقرض للزواج، بل عليه أن يتعفف، وهو حَرِيٌّ بأن يغنيه الله من فضله، والتعفف المذكور هو الذي جاء في قوله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} [النور: ٣٠] وقوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (٣٢)} [الإسراء: ٣٢] (١).

° الوجه السابع: ذكر الخطابي أن في الحديث دليلًا على جواز التعالج لقطع الباءة، وهي شهوة الجماع، بالأدوية ونحوها (٢)، ولكن ينبغي أن يحمل هذا على ما يخفف الشهوة ويسكنها، قياسًا على الصيام، لا على ما يقطعها، فإن هذا ممنوع شرعًا؛ لأمرين:

١ - أنه قد يقدر على مؤونة الزواج وتتيسر له أسبابه، والله تعالى وعد من يستعفف أن يغنيه من فضله؛ لأنه جعل الإغناء غاية للاستعفاف.

٢ - أن العلماء أجمعوا على منع الجَبِّ والخِصَاءِ، فيلحق بهما كل ما يقطع الشهوة من الأدوية. والجب: هو استئصال المذاكير، والخصاء: سلُّ الخصيتين ونزعهما.

° الوجه الثامن: استدل القرافي بهذا الحديث على أن التشريك في العبادة لا يضر (٣)، ووجه الاستدلال: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر العاجز عن مؤنة النكاح التائق إليه أمره بالصوم، وهو عبادة؛ كغض البصر، وحفظ الفرج، وهذا عبادة، ولو كان هذا قادحًا ما أمره بالصوم وهو عبادة من العبادات، ومثل ذلك من صام ليصح جسده أو ليحصل له زوال مرض من الأمراض، ويكون التداوي هو مقصوده أو بعض مقصوده، والصوم مقصود مع ذلك، وهذا بخلاف الرياء، فإن الرياء تشريك مع الله تعالى في طاعته، فهذا معصية وصاحبه آثم، وعبادته على خطر عظيم، لكن يقال: إن كان المُشَرَّكُ عبادة


(١) "الفتاوى" (٣٢/ ٦)، "أضواء البيان" (٦/ ٢١٩).
(٢) "معالم السنن" (٣/ ٣).
(٣) "الفروق" (٣/ ٢٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>