للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

• الوجه الثالث: حديث ابن عبَّاس - رضي الله عنهما - الأول فيه دليل على أن المرأة إذا أسلمت قبل زوجها الذي دخل بها، ثم انتظرته ولم تتزوج فإنها تحل له بعد إسلامه؛ استصحابًا للعقد الأول قبل البعثة، ولا تحتاج إلى عقد جديد، ولو كان ذلك بعد انقضاء العدة؛ إذ ليس في نصِّ الحديث ما يفيد اعتبارها، وعلى هذا فالمرأة بعد انقضاء عدتها لا ينفسخ نكاحها، بل هي بالخيار إن شاءت تزوجت، وإن شاءت انتظرت زوجها حتَّى يسلم، ثم ترجع إليه، لكن لا ينبغي أن يُفهم من هذا بقاء المعاشرة الزوجية، بل يحرم الوطء ودواعيه منذ إسلامها حتَّى يسلم زوجها فورًا أو أثناء أو بعدها.

وهذا قول جماعة من السلف، منهم الحسن، وعطاء، وعمر بن عبد العزيز في رواية عنهم، ومجاهد، وآخرون (١)، واختار هذا شيخ الإسلام ابن تيمية (٢)، ونصره ابن القيم (٣)، واختاره ابن كثير، فقال: (هذا القول فيه قوة، وله حظ من جهة الفقه، والله أعلم)، وأيده بحديث ابن عبَّاس - رضي الله عنهما -: (كان المشركون على منزلتين من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين، كانوا مشركي أهل حرب يقاتلهم ويقاتلونه، ومشركي أهل عهد لا يقاتلهم ولا يقاتلونه، وكان إذا هاجرت امرأة من أهل الحرب لم تخطب حتَّى تحيض وتطهر، فإذا طهرت حل لها النكاح، فإن هاجر زوجها قبل أن تنكح ردت إليه … ) (٤). قال ابن كثير: (هذا يقتضي أنَّه وإن هاجر بعد انقضاء مدة الاستبراء والعدة أنَّها ترد إلى زوجها الأول ما لم تنكح زوجًا غيره، كما هو الظاهر من قصة زينب بنت الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وكما ذهب إليه من ذهب من العلماء، والله أعلم) (٥).

واختار هذا القول الصنعاني -أيضًا- ومن بعده الشوكاني (٦)؛ لأن حديث الباب دليل واضح في أن العدة ليس لها اعتبار في رد زينب - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - على


(١) انظر: "مصنف عبد الرزاق" (٧/ ١٧٣)، "مصنف ابن أبي شيبة" (٥/ ٩٢).
(٢) "الفتاوى" (٣٢/ ٣٣٧)، "أحكام أهل الذمة" (١/ ٣٤٢).
(٣) "زاد المعاد" (٥/ ١٣٧)، "أحكام أهل الذمة" (١/ ٣١٧ - ٣٤٥).
(٤) أخرجه البخاري (٥٢٨٦)، انظر: "فتح الباري" (٨/ ٦٦٧)، (٩/ ٤١٨).
(٥) "البداية والنهاية" (٥/ ٢٧١ - ٢٧٢).
(٦) "سبل السلام" (٣/ ٢٢٦)، "نيل الأوطار" (٦/ ١٨٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>