للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

ذلك. ثم إن ابن عباس من القائلين بأن الخلع فسخ، لما روى طاوس، عن ابن عباس أنه قال: (الخلع تفريق، وليس بطلاق) (١). فيبعد أن يذهب ابن عباس إلى خلاف ما يرويه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد أخرج عبد الرزاق عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال: (كل شيء أجازه المال فليس بطلاق) (٢).

وقد أجاب القائلون بأنه طلاق بأن كلمة البخاري لا تسقط الاحتجاج بالحديث؛ لأن مراده أن أزهر بن جميل لا يتابعه غيره في ذكر ابن عباس في هذا الحديث بل أرسله غيره، ومراده بذلك طريق خالد الحذاء، عن عكرمة، عن ابن عباس، ولهذا عَقَّبَهُ برواية خالد الطحان، عن خالد، عن عكرمة مرسلًا، ثم برواية إبراهيم بن طهمان، عن خالد، عن عكرمة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "وطَلِّقْها"، وعن أيوب موصولًا وفيه: (وأمره ففارقها) (٣).

والذي يظهر -والله أعلم- أن الخلع فسخ وليس بطلاق؛ لقوة أدلة القائلين به، فإن رواية (وطلقها) مرسلة، وقد رواه البخاري بلفظ: (وأمره ففارقها)، والله تعالى جعل الافتداء غير الطلاق، وذلك عام سواء أكان بلفظه أم بلفظ آخر، لأن الحقائق لا تتغير بتغير الألفاظ.

وثمرة الخلاف أنا إذا قلنا: إن الخلع طلاق فخالعها مرة حسبت عليه طلقة، فينقص بها عدد طلاقه، وإن خالعها ثلاثًا طلقت ثلاثًا، فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجًا غيره.

أما على القول بأنه فسخ فإنها لا تحرم عليه ولو خالعها مرارًا بمعنى أنها لا تبين منه بينونة كبرى، بل له أن يتزوجها بعقد ومهر جديدين بشرط الرضا.

وترجيح واحد من القولين مرجعه إلى اجتهاد القاضي الذي سيحكم بالخلع، وإن كان رأي الجمهور على أنه يصح الخلع من غير قضاء القاضي؛ لأنه عقد معاوضة كالبيع والنكاح، فلا يفتقر إلى القاضي، وكما يجوز الطلاق


(١) رواه ابن أبي شيبة (٥/ ١١٢)، وانظر: "التمهيد" (٢٣/ ٣٧٧)، "فتح الباري" (٩/ ٤٠٣).
(٢) "المصنف" (٦/ ٤٨٧).
(٣) انظر: "فتح الباري" (٩/ ٤٠١).

<<  <  ج: ص:  >  >>