للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

واستدلوا بما تقدم من رواية أبي داود والنسائي من طريق أبي الزبير، أن عبد الله بن عمر طلق امرأته وهي حائض، قال عبد الله: (فردها عليَّ ولم يرها شيئًا) قالوا: فهذا نص صريح في عدم الاعتداد بتلك الطلقة.

كما استدلوا بأدلة عامة ليست صريحة في محل النزاع، وإنما هي أشبه بالمرجحات، وقد ذكرها ابن القيم وغيره (١)، ومنها قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد" قالوا: فهذا نص يدل على بطلان كل ما خالف أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم -، والمطلِّق في الحيض قد طلق طلاقًا ليس عليه أمر الشارع، فيكون مردودًا غير مقبول، وهذا فيه نظر، فإنه لا يلزم أن يكون كل عمل من قول أو فعل خالف فيه المكلفُ المشروعَ أنه باطل، بل هناك من التصرفات ما تصح من فاعلها ولو خالف فيها المشروع؛ لأن التحريم والصحة ليسا متلازمين، والنهي قد يقتضي الفساد، وقد لا يقتضيه، بأن يقوم دليل على الصحة، كما في النهي عن بيع المُصَرَّاة (٢)، ويمكن مراجعة شرح ابن رجب للحديث المذكور في "جامع العلوم" فقد أجاد وأفاد (٣).

وأجابوا عن أدلة القائلين بالوقوع بأن قوله: "فليراجعها" معناه: إمساكها على حالها الأول؛ لأن الطلاق لم يقع في وقته المأذون فيه شرعًا، فهو ملغى والنكاح بحاله، فهم لم يحملوا الرجعة على معناها الاصطلاحي عند الفقهاء؛ لأن معناها أعم من ذلك، بدليل قوله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا} [البقرة: ٢٣٠] والمراد بذلك العقد على امرأته التي طلقها آخر طلقة بعد أن تنكح زوجًا غيره، وتقدم رد ذلك، وأما الاستدلال بلفظ: (وحسبت عليه تطليقة) فليس فيه دليل؛ لأنه غير مرفوع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -.

والقول بوقوع الطلاق حال الحيض قول قوي -في نظري- لأمرين:


(١) انظر: "زاد المعاد" (٥/ ٢٢٣)، رسالة: "الفيض في تحقيق حكم الطلاق في الحيض" للدكتور: سليمان العيسى ص (٩١).
(٢) انظر: شرح الحديث (٨١٥) من كتاب "البيوع".
(٣) وانظر أيضًا: "القواعد" لابن رجب (١/ ٥١ - ٦٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>