للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

الأول: أن حديث ابن عمر رواه جلة من الحفاظ الإثبات، وقد اتفقت ألفاظهم جميعًا -عدا أبي الزبير المكي- على وقوع الطلقة واحتسابها، ووقوع المراجعة، وقد تقدم أن نافعًا وسالمًا يرون أن الطلقة التي وقعت لابن عمر حسبت عليه، وهما من أجلِّ وأثبت من روى عن ابن عمر، وقولهما ثابت في "صحيح مسلم" كما تقدم بيان ذلك.

الثاني: أن أدلة الجمهور على المراد دلالتها قوية صريحة لا تقبل التأويل، بخلاف رواية عدم الاعتداد بالطلقة (فردها علي ولم يرها شيئًا) فهي على فرض ثبوتها تحتاج مع الأدلة المتقدمة إلى أحد مسلكين: إما الترجيح أو الجمع، فإن قلنا بالترجيح فلا ريب أن الأحاديث الدالة على وقوع الطلاق في الحيض أكثر عددًا وأقوى إسنادًا، وقد تقدمت، وإن قلنا بالجمع فإن رواية أبي الزبير قابلة للتأويل، فقد قال الشافعي إن معناها: أنه لم يرها شيئًا صوابًا غير خطأ، يؤمر صاحبه ألا يقيم عليه، ولذا أمره بالمراجعة (١).

وقال ابن عبد البر عن قوله: (ولم يرها شيئًا): (لو صح لكان معناه عندي -والله أعلم- ولم يرها على استقامة؛ أي: ولم يرها شيئًا مستقيمًا؛ لأنه لم يكن طلاقه لها على سنة الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وهذا أولى المعاني بهذه اللفظة إن صحت) (٢).

وهذا بناء على ثبوت هذه اللفظة، وقد تقدم الكلام على تفرد أبي الزبير بها، وأنها منكرة.

وبهذا يتبين أن القول بالوقوع قول قوي، لا يمكن دفعه لكثرة رواياته، هذا من الناحية العلمية، وأما من الناحية العملية التطبيقية فنقول كما قال العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز: إن حَكَمَ بعدم وقوع الطلاق في الحيض قاضٍ شرعي أُخذ به؛ لأن حكم القاضي يرفع الخلاف في المسائل الاجتهادية، والله أعلم.


(١) "اختلاف الحديث" ضمن كتاب "الأم" (١٠/ ٢٦٢).
(٢) "التمهيد" (١٥/ ٦٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>