للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال الجصاص: (إن الله تعالى لم يبح الطلاق ابتداء لمن تجب عليه العدة إلا مقرونًا بذكر الرجعة، منها قوله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: ٢٢٩] وقوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ} [البقرة: ٢٢٨] وقوله تعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} (١) [البقرة: ٢٣١] وقال شيخ الإِسلام ابن تيمية: (إن الطلاق الذي شرعه الله هو ما تعقبه العدة، وما كان صاحبه مخيرًا فيها بين الإمساك بمعروف والتسريح بإحسان، وهذا منتفٍ في إيقاع الثلاث في العدة قبل الرجعة فلا يكون جائزًا) (٢)، وقال: (فإن طلقها ثلاثًا أو طلقها الثانية أو الثالثة في ذلك الطهر فإذا حرام، وفاعله مبتدع عند أكثر العلماء) (٣).

والحكمة من شرعية تفريق الطلاق إيجاد الفرصة للزوج في مراجعة زوجته بعد الطلقة الأولى أو الثانية، وهذا ما دل عليه قوله تعالى: {لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق: ١] والمعنى: لا تعلم أيها الزوج لعل الله تعالى يوجد بعد الرغبة عن المرأة شأنًا آخر، وهو الرغبة فيها، فينقلب الزوج بعد الطلاق من بغضها إلى محبتها، ومن الرغبة عنها إلى الرغبة فيها، ومن عزيمة إمضاء الطلاق إلى الندم عليه.

والقول بتحريم جمع الطلاق الثلاث هو مذهب المالكية، والحنفية، وإحدى الروايتين عن أحمد، اختارها أكثر أصحابه، وهو قول شيخ الإِسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم (٤). وهؤلاء فريقان: منهم من قال: يقع ثلاثًا، ومنهم من قال: يقع واحدة (٥).

القول الثاني: أن الطلاق الثلاث ليس بمحرم، وإنما هو ترك للأفضل، وهذا مذهب الشافعي، ورواية عن أحمد، وصفها ابن تيمية بأنها قديمة، وقد


(١) "أحكام القرآن" (٢/ ٧٥).
(٢) "الفتاوى" (٣٣/ ٧٩ - ٨٠).
(٣) "الفتاوى" (٣٣/ ٦٧).
(٤) "بدائع الصنائع" (٣/ ٩٤ - ٩٥)، "المنتقى" (٤/ ٣)، "الإنصاف مع الشرح الكبير" (٢٢/ ١٧٩)، "الفتاوى" (٣٣/ ٦٧)، "زاد المعاد" (٥/ ٢٤١).
(٥) "الفتاوى" (٣٣/ ٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>