للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

والرجعة والعتق كلها أمور عظيمة يترتب عليها أحكام تتعلق بالآخرين، فإذا قال: زَوَّجْتُكَ، وقال الآخر: قبلت، وتحققت الشروط وانتفت الموانع لزم النكاح ولو قال: إني هازل، وهكذا لو قال: هي طالق، أو أنت مطلقة، وقع ولو قال: إنه هازل، وهكذا الرجعة والعتق، وهذا قول الجمهور من أهل العلم. قال ابن القيم: (وهو المحفوظ عن الصحابة والتابعين) (١)، وذلك لأن الهازل قاصد للفظ، مريد له، عالم بمعناه وما يترتب عليه، غير مريد لحكمه ولا ملتزم له، وترتيب الأحكام على الأسباب إنما هو للشارع لا للعاقد، فإذا تكلم المكلف بالسبب لزمه حكمه وترتب عليه أثره شاء أم أبي؛ لأن ذلك لا يقف على اختياره، ثم إن مؤاخذة الهازل بما يقول: في غاية المناسبة لردعه عن الهزل في أحكام الشرع، ولئلا يدعي من يطلق أنه هازل غير جاد (٢).

قال ابن المنذر: (أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم على أن جد الطلاق وهزله سواء) (٣). وقال الخطابي: (اتفق عامة أهل العلم على أن صريح لفظ الطلاق إذا جرى على لسان البالغ العاقل فإنه يؤاخذ به ولا ينفعه أن يقول: كنت لاعبًا أو هازلًا، أو لم أنو به طلاقًا، أو ما شابه ذلك من الأمور، واحتج بعض العلماء في ذلك بقوله تعالى: {وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا} [البقرة: ٢٣١] وقال: لو أُطلق للناس ذلك لتعطلت الأحكام، ولم يشأ مطلق أو ناكح أو معتق أن يقول: كنت في قولي هازلًا إلا قال، فيكون في ذلك إبطال أحكام الله عزَّ وجلَّ، وذلك غير جائز، فكل من تكلم بشيء مما جاء ذكره في هذا الحديث لزمه حكمه، ولم يقبل منه أن يدعي خلافه، وذلك تأكيد لأمر الفروج واحتياط له، والله تعالى أعلم) (٤).

والقول الثاني: أن طلاق الهازل لا يقع، وهو قول في مذهب الإِمام مالك وأحمد، ونسبه الشوكاني إلى جماعة من الأئمة، ولهم دليل وتعليل، أما


(١) "إعلام الموقعين" (٣/ ١٣٦).
(٢) "زاد المعاد" (٥/ ٢٠٤)، "إعلام الموقعين" (٣/ ١٣٦).
(٣) "المغني" (١٠/ ٣٧٣).
(٤) "معالم السنن" (٣/ ١١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>