للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

قوله. والإكراه: حمل الإنسان على أمر لا يريده بتخويف يستطيع المكرِه تنفيذه، ويصير المكرَه خائفًا به.

°الوجه الثالث: يستدل الأصوليون بهذا الحديث على أن الخطأ والنسيان والإكراه من موانع التكليف، وهذا في حق الله تعالى؛ لأنه مبني على العفو والمسامحة، فمتى فعل المكلف محرمًا جاهلًا أو ناسيًا أو مكرهًا، فلا شيء عليه، ومتى ترك الواجب جاهلًا فلا قضاء عليه إذا كان قد فات وقته، وإنما يقضي ما كان في وقته، وكذا لو ترك واجبًا ناسيًا فلا شيء عليه حال نسيانه، وعليه القضاء إذا ذكره، وكذا المكره.

أما ما يتعلق بحقوق المخلوقين فلا يعتبر فيها الخطأ والنسيان والإكراه موجبًا للعفو، وعدم المؤاخذة؛ لأن حقوق العباد مبناها على المشاحة والمقاضاة، فلا تمنع من ضمان ما يجب ضمانه إذا لم يرض صاحب الحق بسقوطه (١). ومن ذلك لو أكره على قتل إنسان بغير حق لم يجز له الإقدام على قتله مهما كانت العواقب والوسائل.

قال القرطبي: (أجمع أهل العلم على أن من أُكره على قتل غيره لا يجوز له الإقدام على قتله ولا انتهاك حرمته بجلد أو غيره، ويصبر على البلاء الذي نزل به، ولا يحل له أن يفدي نفسه بغيره، ويسأل الله العافية في الدنيا والآخرة) (٢).

الوجه الرابع: الحديث دليل على أن الخطأ في الطلاق معفو عنه، فلو أراد أن يقول لزوجته: أنت طاهر، فسبق لسانه فقال: أنت طالق، لم تطلق؛ لأن الطلاق يعتبر لوقوعه إرادة لفظه ومعناه، وهذا إذا وجد قرينة تدل على صدق دعواه؛ كأن تقول: أعطني المصحف لكي أقرأ، فقال: أنت طالق، فهنا دلت القرينة على أنه أراد: أنت طاهر.

فإن كانت القرينة على عكس ما يدعي، بأن قالت له: طلقني، فقال:


(١) "رفع الحرج" ص (٢٢)، "الأصول من علم الأصول" ص (٢٢).
(٢) "تفسير القرطبي" (١٠/ ١٨٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>