للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

المجنون؛ لدلالة بقية الروايات عليه، وللإجماع على أن المبتلى بغير الجنون لا يرتفع عنه قلم التكليف، وإطلاق المبتلى على المجنون إطلاق ممكن، فإنه لا بلوى أعظم من ذهاب العقل إلا ذهاب الدين، نسأل الله السلامة والعافية.

والمجنون: فاقد العقل خلقة أو لآفة، ومظهره جريان تصرفاته القولية والفعلية على غير نهج العقلاء. تقول العرب: جُنَّ الرجل -مبنيًّا لما لم يُسَمَّ فاعله- يُجَنُّ جنونًا، وأجنَّه الله -رباعيًّا- فهو مجنون، ولا تقل: مُجَنٌّ، وإن كان هو قياس اسم المفعول من الرباعي.

قوله: (حتى يعقل أو يفيق) هذا لفظ النسائي وابن ماجه، كما تقدم. وقوله: "أو يُفيق" بضم الياء، من أفاق المجنون إفاقة: رجع إليه عقله، وهذا اللفظ يفيد أن الحديث شامل للمجنون بنوعيه: المطبق: بضم الميم وكسر الباء، وهو الدائم، وغير المطبق: أي غير الدائم، وهو الجنون المتقطع؛ لأن مقتضى قوله: "حتى يفيق" تعليق رفع القلم بحصول الجنون، وزوال رفعه بالإفاقة، والإفاقة علة التكليف، والمعلول يتكرر بتكرر علته: فكلما أفاق كلف.

° الوجه الثالث: في الحديث دليل على أن الصغر والنوم والجنون من أسباب فقد الأهلية، وهي صلاحية الشخص لوجوب الحقوق المشروعة له وعليه، وعلى هذا فهؤلاء غير مكلفين بالأوامر والنواهي، وهذا من رحمة الله ولطفه بعباده وإحسانه إليهم، فإن هؤلاء ليسوا من أهل التصرف؛ لأن الصغير لم يكتمل العقل حتى يتصرف تصرفًا مستقيمًا، والمجنون لا عقل له، والنائم قد غُطي على عقله فهو لا يعي ما يقول:

والمراد أن هؤلاء لا يتوجه إليهم خطاب التكليف، فالصغير لا يكلف بالأمر والنهي تكليفًا مساويًا لتكليف البالغ، لكنه يؤمر بالعبادات كالصلاة بعد التمييز؛ ليعتادها وينشأ على محبتها والحرص عليها، ويمنع من المعاصي ليعتاد الكف عنها.

وكذا المجنون فإنه لا يكلف بالأمر والنهي؛ لأنه لا قصد له ولا إرادة،

<<  <  ج: ص:  >  >>