للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

القول الثاني: أنه لا يجب الإشهاد في الطلاق، ويجب في الرجعة؛ لأن الطلاق ورد في غير آية وفي غير حديث غير مقيد بالإشهاد، وأما الرجعة فكما تقدم، وهذا رواية عن أحمد، وأحد قولي الشافعي (١).

والقول الثالث: أن الإشهاد مستحب فيهما ولا يجب، وهو رواية عن أحمد، وظاهر كلام الشافعي (٢)، وقول مالك (٣)، وأبي حنيفة، واستدلوا بحديث ابن عمر - رضي الله عنهما - فإنه أمره بالرجعة ولم يذكر الإشهاد، ولأن الرجعة لا تفتقر إلى قبول، فلم تفتقر إلى شهادة كسائر حقوق الزوج.

وأما الآية فالأمر فيها للاستحباب والإرشاد؛ كقوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: ٢٨٢]، قالوا: وذلك لأن الأمر بالإشهاد راجع إلى أقرب مذكور قبله: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: ٢]، وعلى هذا فليس الإشهاد شرطًا في صحة الطلاق؛ لعدم رجوعه إليه، ولا في صحة الرجعة؛ لأنه ليس شرطًا في صحة ما صاحبها من المفارقة بالمعروف باتفاق، فيكون الأمر في الآية للإرشاد (٤).

وهذا هو الأرجح، لكن إن ظهرت المصلحة في الإشهاد؛ لكثرة تدليس الناس وزيادة جرأتهم على الدعاوى الباطلة فالقول بالوجوب قوي.

وقد ذكر ابن رشد أن سبب الخلاف في مسألة الإشهاد معارضة القياس للظاهر؛ لأن قوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا} يقتضي الوجوب، وتشبيه حق الرجعة بسائر الحقوق التي يقبضها الإنسان يقتضي أنه لا يجب الإشهاد، فكان الجمع بين القياس والآية حمل الآية على الندب (٥).

وقد ضعف شيخ الإسلام ابن تيمية القول بأن الأمر بالإشهاد راجع إلى الطلاق، ورجح أن الأمر عائد إلى الرجعة، وأن الإشهاد عليها مأمور به باتفاق، إما أمر استحباب أو أمر إيجاب، وظاهر كلامه اختيار الوجوب (٦).


(١) "المغني" (١٠/ ٥٥٩).
(٢) "الأم" (٦/ ٦٢٣).
(٣) "بداية المجتهد" (٣/ ١٦٣).
(٤) "الفرقة بين الزوجين" ص (١٠٦).
(٥) "البداية" (٣/ ١٦٣).
(٦) "الفتاوى" (٣٣/ ٣٣ - ٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>