للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الكذب في هذه القضية من زوجها، فإنها تعلم علم اليقين بحقيقة الحال، بخلاف الرجل فقد تقوم عنده شبهة قوية فيلاعن من أجلها ولا يكون جازمًا في حقيقة الأمر، فالزوج إن كان كاذبًا لم يصل ذنبه إلى أكثر من حد القذف، وإن كانت هي كاذبة فذنبها أعظم لما فيه من تلويث الفراش والتعرض لإلحاق من ليس من الزوج به.

* الوجه الخامس: في الحديث دليل على أنه يبدأ بالزوج في اللعان، وهذا هو الذي دل عليه القرآن، وهو الموافق للقياس، فإن الزوج هو المدعي؛ ولأن لعان الزوج بينة الإثبات، فإنه هو القاذف فيدرأ الحد عن نفسه، ولعانها بينة الإنكار فلم يجز تقديمها.

* الوجه السادس: استحباب وعظ كل واحد من الزوجين قبل البدء في اللعان؛ لعله يرجع إن كان كاذبًا، فيرجع الزوج عن قوله، أو ترجع هي عن إنكارها.

* الوجه السابع: استدل العلماء بقوله: (فلم يجبه) على استحباب الإعراض عن الأسئلة التي لم تقع، وإنما يتصور وقوعها تصورًا، لا سيما إذا كانت في أمور مستكرهة، أو في أمور لا حاجة إليها.

وقد روى الدارمي في مقدمة "سننه" عن جماعة من سلف هذه الأمة، منهم: عمر وابنه وزيد بن ثابت وأُبي بن كعب -رضي الله عنهم-، أنهم كانوا يكرهون السؤال عن شيء لم يقع، ولم يكونوا يجيبون السائل (١).

قال ابن حمدان الحنبلي: (إذا سأل عامِّيٌّ عن مسألة لم تقع لم تجب إجابته، لكن تستحب، وقيل: يكره؛ لأن بعض السلف كان لا يتكلم فيما لم يقع، ثم قال: إن كان غرض السائل معرفة الحكم لاحتمال أن يقع له أولمن سأل عنه: فلا بأس، وكذا إن كان ممن ينفعه في ذلك، ويقدر وقوع ذلك، ويُفَرِّعُ عليه) (٢). وقال الحافظ ابن حجر: (وقد استمر جماعة من السلف على


(١) "سنن الدارمي" (١/ ٤٧ - ٤٨).
(٢) "صفة الفتوى" ص (٣٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>