للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الوجه الثالث: يستدل العلماء من المفسرين والفقهاء (١) بهذا الحديث على جواز إمساك الزوجة والاستمرار على نكاحها ولو ظهر منها الزنا، وأن ذلك لا يقتضي فسخ نكاحها، واستدلوا به على جواز نكاح الزانية، وهو قول أبي حنيفة والشافعي، وأجازه مالك مع الكراهة، قال الموفق ابن قدامة: (إذا زنت امرأة رجل أو زنا زوجها لم يفسخ النكاح، سواء كان قبل الدخول أو بعده في قول عامة أهل العلم … ) (٢).

وحملوا الآية: {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً} [النور: ٣] على ابتداء النكاح، فيجوز للرجل أن يستمر على نكاح من زنت وهي تحته، ويحرم عليه أن يتزوج الزانية، وقد بوب النسائي على هذا الحديث بقوله: باب (تزويج الزانية)، وقال الجصاص: (ومن الناس من يحتج في أن الزنا لا يبطل النكاح بما روى هارون بن رئاب … ثم ساق الحديث) (٣).

ولا يلزم من قول هؤلاء أن يكون العفيف الذي تحته زانية ديوثًا؛ لأنه إنما يبقيها ليحفظها ويحرسها ويمنعها من ارتكاب ما لا ينبغي.

قال النووي: (كأنه - صلى الله عليه وسلم - أشار عليه أولًا بفراقها نصيحة له وشفقة عليه في تنزهه من مباشرة من هذه حالها، فأعلم الرجل شدة محبته لها وخوفه فتنة بسبب فراقها، فرأى النبي - صلى الله عليه وسلم - المصلحة له في هذه الحال إمساكها خوفًا من مفسدة عظيمة تترتب على فراقها، ودفع أعظم الضررين بأخفهما متعين، ولعله يرجى لها الصلاح بعد، والله تعالى أعلم) (٤).

ولعل هؤلاء هم الذين يأخذون بالمعنى الأول في تفسير (لا ترد يد لامس)، أما من يقول بأنه لا يجوز الزواج بالزانية ولا إمساكها إذا زنت، وهو قول قتادة وأحمد وإسحاق وأبي عبيد، وهو منقول عن علي وابن مسعود


(١) ولهذا ذكره الحافظ في "البلوغ" تبعًا لفقهاء الشافعية، وأما ابن دقيق العيد والمجد ابن تيمية فلم يذكروه. انظر: "التلخيص" (٣/ ٢٥٣)، "أضواء البيان" (٦/ ٨١ - ٩٢).
(٢) "المغني" (٩/ ٥٦٥).
(٣) "أحكام القرآن" (٥/ ٢٠٨).
(٤) "تهذيب الأسماء واللغات" (٤/ ١٣٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>