للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثم قتل عمر وعثمان - رضي الله عنهما - فلم يحد الصحابة على واحد منهم، وهكذا التابعون وأئمة الإسلام، ولم يحد عليهم المسلمون، فيكون هذا العمل المذكور من البدع والتشبه بأعداء الإسلام مع ما فيه من الأضرار الكثيرة وتعطيل المصالح، والإحداد حكم شرعي لا بد له من دليل، ولا دليل عليه، فهو مردود على فاعله، ومن أمر به أو أشار بفعله فهو مبتدع آثم.

* الوجه التاسع: الحديث دليل على أن الإحداد خاص بالمتوفى عنها زوجها، لقوله: "إلا على زوج"، فهو إيجاب بعد النفي، فيقتضي حصر الإحداد في المتوفى عنها، أما المطلقة الرجعية فلا إحداد عليها بالإجماع؛ لأنها في حكم الزوجات يندب لها أن تتزين ليرغب فيها زوجها.

أما البائن فمذهب الجمهور (١) أنه لا إحداد عليها، لقوله: "على ميت" أي: على زوج ميت؛ ولأن الغرض من الإحداد إظهار الأسف على فراق زوجها وموته، وهذا لا يوجد في الطلاق البائن.

وذهب أبو حنيفة وأصحابه، وأحمد في رواية، والشافعي في القديم، وبعض المالكية إلى وجوب الإحداد عليها (٢)، لما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى المعتدة أن تختضب بالحناء، قالوا: فهذا عام في كل معتدة، كما قاسوا البائن على المتوفى عنها بجامع أن كلًّا منهما فرقتها بينونة.

والصواب القول الأول، لقوة دليله، فإن الإحداد إنما يجب على الموتى ومن أجلهم، كما هو صريح الأدلة، والمبتوتة أشبه بالرجعية من المتوفى عنها.

وأما ما استدل به أصحاب القول الثاني فهو ضعيف، لا تقوم به حجة، ولا يعرف في كتب السنة (٣)، وأما القياس فهو فاسد الاعتبار؛ لأنه في مقابلة نص خاص بالمتوفى عنها، فلا تلحق به البائن.


(١) "المنتقى" للباجي (٤/ ١٤٥)، "مغني المحتاج" (٣/ ٣٩٨)، "المغني" (١١/ ٢٩٩).
(٢) المصادر السابقة، "المبسوط" (٦/ ٥٨).
(٣) انظر: "الدراية" (٢/ ٧٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>