للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الأول: أنها تعتد في البيت الذي كانت تسكنه قبل وفاة زوجها، سواء أكان الزوج ساكنًا أم لا، وبه قال من الصحابة عمر وعثمان وروي عن ابن عمر -رضي الله عنهم-، وهو مذهب الأئمة الأربعة (١)، وجماعة من فقهاء الأمصار، ودليلهم حديث الباب.

والقول الثاني: أنها تعتد حيث شاءت، وهذا مروي عن علي وابن عباس وجابر وعائشة -رضي الله عنهم-، وقد أخرج عبد الرزاق في "مصنفه" ما ورد عنهم بأسانيد صحيحة (٢)، وقال به من التابعين: طاوس وعطاء والحسن، كما في "المصنف" -أيضًا- وهو قول داود وأصحابه، وحكاه البغوي عن أبي حنيفة، واختاره المزني من الشافعية (٣)، وهو قول ابن حزم (٤).

واستدلوا بأن السكنى إنما ورد في القرآن للمطلقات، وأما المتوفى عنها فإن الله تعالى أمرها بالاعتداد أربعة أشهر وعشرًا دون التعرض لذكر مكان معين، فدل على عدم اشتراطه، وقد روى عبد الرزاق بسنده عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: (إنما قال الله تعتد أربعة أشهر وعشرًا، ولم يقل تعتد في بيتها، تعتد حيث شاءت) (٥)، وروى البخاري بسنده عن ابن عباس قال: (نسخت هذه الآية عدتها في أهلها، فتعتد حيث شاءت، لقول الله: {غَيرَ إِخْرَاجٍ}) (٦).

ومعنى ذلك: أن قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيرَ إِخْرَاجٍ} [البقرة: ٢٤٠] دل على أن المعتدة تعتد عند أهلها وتتربص في بيت زوجها حولًا كاملًا، لقوله: {غَيرَ إِخْرَاجٍ} ثم نُسخت هذه الآية بقوله تعالى: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: ٢٣٤] فتعتد حيث شاءت؛ لأنه لما نسخ الحول بأربعة أشهر وعشر نسخت السكنى؛ لأن السكنى تبع للعدة.


(١) "التمهيد" (٢١/ ٣١)، "شرح فتح القدير" (٤/ ٣٤٣)، "المغني" (١١/ ٢٩٠).
(٢) "المصنف" (٧/ ٢٩ - ٣٠).
(٣) "شرح السنة" (٩/ ٣٠٣).
(٤) "المحلى" (١٠/ ٢٨٢).
(٥) "المصنف" (٧/ ٢٩).
(٦) "صحيح البخاري" (٤٥٣١)، وانظر: "فتح الباري" (٨/ ١٩٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>