للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قوله: (من جناح) الجناح: هو الإثم، وهو من الميل، قال تعالى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ} [الأنفال: ٦١] أي: مالوا، وسمي الإثم المائل بالإنسان عن الحق جناحًا، ثم سمي كل إثم جناحًا، كقوله تعالى: {لَا جُنَاحَ عَلَيكُمْ} في غير موضع من القرآن.

قوله: (خذي) هذا أمر إباحة، بدليل رواية البخاري: "لا حرج عليك أن تطعميهم بالمعروف" (١).

قوله: (بالمعروف) أي: بما يقره الشرع والعرف، وقال ابن حجر: (المراد بالمعروف: القدر الذي عرف بالعادة أنه الكفاية) (٢).

واعلم أن هندًا لم ترد أن أبا سفيان شحيح مطلقًا، فتذمه بذلك، وإنما وصفت حاله معها، فإنه كان يقتر عليها وعلى أولادها، كما قالت: (لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفى بنيّ) وهذا لا يدل على البخل مطلقًا، فقد يفعل الإنسان هذا مع أهل بيته؛ لأن غيرهم أحوج منهم وأولى، وعلى هذا فلا يجوز أن يُستدل به على أن أبا سفيان كان بخيلًا، فإنه لم يكن معروفًا بهذا (٣)، ثم إن العرب لا تُسوِّد البخلاء، وأبو سفيان كان سيد قومه.

* الوجه الثالث: هذا الحديث فيه مسائل عديدة تدخل في أبواب الفقه، أذكر منها ما يتعلق بالنفقات، وما أرى أهميته مما زاد على ذلك:

ففي الحديث دليل على وجوب نفقة الزوجة على زوجها، وقد انعقد الإجماع على ذلك، وسيأتي الكلام على هذه المسألة إن شاء الله.

* الوجه الرابع: الحديث دليل على وجوب نفقة الولد على أبيه، وقد أجمعوا على وجوبها إذا كان الولد صغيرًا أو بالغًا مريضًا وهو معسر، فإن بلغ مبلغًا يمكنه تحصيل نفقته بالاكتساب سقطت نفقته عن الأب، لكن عموم الحديث يفيد وجوب النفقة على الأب مطلقًا إذا كانوا فقراء، وله ما ينفق عليهم، ولم يستثن منهم بالغًا ولا صحيحًا.


(١) "صحيح البخاري" (٢٤٦٠).
(٢) "فتح الباري" (٩/ ٥٠٩).
(٣) "المفهم" (٥/ ١٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>