للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وفي المسألة أقوال أُخر، لا داعي لذكرها، والراجح هو القول الأوَّل، لقوة دليله، ويؤيده الحكمة من مشروعية القصاص، وهي صيانة الأنفس وحقن الدماء، ولو قيل بعدم القصاص إذا قتل الرجل المرأة لأدى ذلك إلى إهدار دماء النساء، وهضم حقوقهن، وإقدام الرجال على قتل النساء لأتفه الأسباب، وفي هذا من المفاسد ما لا يخفى.

وأمَّا استدلال أصحاب القول الثَّاني بآية: {وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى} فلا دلالة فيها على أن الرجل لا يقتل بالمرأة؛ لأنَّ هذا من باب دلالة المفهوم، وقد جاءت السنة بقتل الذكر بالأنثى، فدل على أن هذا المفهوم لا عبرة به، وأن الذكر يقتل بالأنثى (١).

ثم إن الآية لم ترد لبيان مقابلة الجنس بجنسه وحتمية ذلك، وإنَّما وردت -والله أعلم- ردًّا على أناس حصل بينهم قتال في الجاهلية، ولم يقتصوا إلَّا بعد الإسلام، وحلفوا ألا يرضوا إلَّا بالحر بدل العبد، والرجل بدل المرأة، تطاولًا عليهم وإظهارًا لشرفهم عليهم، ذكر معنى ذلك القرطبي عن الشعبي وقتادة، ورواه ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير (٢)، وتقدمت الإشارة إلى ذلك.

° الوجه الرابع: في الحديث دليل على ثبوت القصاص في القتل بالمُثَقَّلِ، وأنَّه لا يختص بالمحدد، والمثقل هو ما ليس له حد من الأدوات، كالمطرقة والحجر والخشبة الكبيرة، وهذا قول الجمهور، ومنهم: الأئمة الثلاثة مالك والشَّافعيّ وأحمد (٣).

كما استدلوا بعموم الآيات الدّالة على وجوب القصاص في القتلى، ولم تفرق بين من قُتل بمحدد ومن قُتل بمثقل.


(١) "الشَّرح الممتع" (١٤/ ٤٢).
(٢) "تفسير ابن أبي حاتم" (١/ ٢٩٣)، "تفسير الطبري" (٣/ ٣٦٢)، "تفسير القرطبي" (٢/ ٢٤٥).
(٣) "المهذب" (٢/ ١٧٦)، "مواهب الجليل" (٦/ ٢٤)، "المغني" (١١/ ٥٠٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>