للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والقول الثَّاني: أنَّه لا قصاص إلَّا في القتل بالمحدد، وأمَّا القتل بالمثقل فلا يعتبر قتل عمد، فلا يجب به القود، سواء كان المثقل من الحديد أو من غيره، وهذا قول الحسن البصري والشعبي والنخعي، ورواية عن أبي حنيفة، وعنه رواية أخرى: التَّفريق بين مثقل الحديد فيجب القصاص، ومثقل غيره فلا يجب، وأجابوا عن الحديث بأعذار ضعيفة (١).

واستدلوا بحديث عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن قتيل الخطأ شبه العمد قتيل السوط والعصا والحجر فيه مائة من الإبل … الحديث" وسيأتي.

ووجه الاستدلال: أن النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أخبر بأن قتيل السوط والعصا والحجر فيه دية مغلظة، وهذه ليست محددة، وإنَّما هي من المثقل، فدل على أن القصاص لا يجب في القتل بالمثقل.

والراجح هو القول الأوَّل؛ لأنَّ حديث الباب نص في الموضوع، ويؤيد ذلك حكمة مشروعية القصاص، وهي حماية الأرواح وحقن الدماء.

ثم إن القتل بمثقل كالقتل بالمحدد بل هو أشد؛ لأنَّ المحدد أسرع في الإزهاق من المثقل، يضاف إلى ذلك أن عدم إيجاب القتل بالمثقل قد يؤدي إلى اتخاذه وسيلة لتنفيذ جرائم القتل، إذا علم القاتل أنَّه لن يقتص منه.

° الوجه الخامس: في الحديث دليل على أن القاتل يُقتل بمثل ما قَتَلَ به، فإن قَتَلَ بسيف قُتل به، وإن قتل ببندقية أو بغرق أو بخنق قتل بذلك، وهذا قول الجمهور من المالكيّة والشافعية (٢). ورواية عن أحمد، اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية، وقال: (هذا أشبه بالكتاب والسنة والعدل) (٣)، وقال الزَّركشي: (هي أوضح دليلًا) (٤).


(١) "الإعلام" (٩/ ٨٦)، "المغني" (١١/ ٤٤٦)، "بدائع الصنائع" (٧/ ٢٣٣).
(٢) "تفسير القرطبي" (٢/ ٢٥٨)، "المهذب" (٢/ ١٨٦)، "المغني" (١١/ ٥٠٨).
(٣) "المستدرك على مجموع الفتاوى" (٥/ ٩٧).
(٤) "شرح الزَّركشي" (٦١/ ٨٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>