للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

أبي موسى عن ابن عباس - رضي الله عنهما - (١).

واستدلوا بقوله تعالى: {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى} [البقرة: ١٧٨].

ووجه الاستدلال: أن الآية دلت على وجوب المماثلة والمساواة في الأوصاف، وإذا تفاوتت فلا قصاص؛ كالحر يؤخذ بالعبد، وإذا كان التفاوت في الأوصاف يمنع من القصاص فإن التفاوت في العدد يمنع من باب أولى.

كما استدلوا بقوله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: ٤٥] وقتل الجماعة بالواحد يستدعي قتل أنفس بنفس، فيكون ممنوعًا لمخالفته لظاهر الآية.

والقول الثالث: أنَّه يقتل واحد فقط يختاره أولياء الدم، ويؤخذ من الباقين حصصهم من الدية، وهو قول بعض الشَّافعية، وهو مروي عن بعض السلف؛ كمعاذ وابن الزُّبير وابن سيرين والزهري (٢).

واستدلوا بما تقدم في القول الثَّاني، حيث دلت الآيتان على أنَّه لا تؤخذ أنفس بنفس واحدة، وإذا كان الأمر كذلك فيقتص من واحد فقط، وليس من المعقول أن يفلت بقية الجناة من العقاب، فيلزمون بدفع حصصهم من الدية.

والراجح هو القول الأوَّل، لقوة دليله، وقد نقل ابن قدامة إجماع الصّحابة - رضي الله عنهم - على هذا الرأي، لكن قد يشكل على ذلك ما تقدم عن ابن عباس - رضي الله عنهما -.

وأما أدلة الباقين فهي غير ناهضة؛ لأنَّ آية البقرة -كما تقدم- وردت لإبطال ما كان عليه أهل الجاهلية من تعنت وكبرياء حتَّى إنهم لا يقبلون بالعبد إلَّا حرًّا، ولا بالأنثى إلَّا ذكرًا، ولم تتعرض الآية لقتل الجماعة بالواحد.

وأمَّا آية المائدة فإنَّها نزلت توبيخًا لليهود الذين خالفوا نص التوراة في أن النفس بالنفس، فصاروا يفضلون بعض الأجناس على بعض، فيقتصون من


(١) "الإرشاد" ص (٤٥٢).
(٢) "المغني" (١١/ ٤٩٠)، ولعل هذا قول آخر للزهري، فقد تقدم في القول الثَّاني.

<<  <  ج: ص:  >  >>