للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقد أجمع أهل العلم على تضمين الطَّبيب الجاهل، قال ابن رشد: (لا خلاف بين أهل العلم أنَّه إذا لم يكن من أهل الطب أنَّه يضمن؛ لأنَّه متعدٍ) (١) ومثل هذا قال الخطابي، وابن القيِّم (٢)، ويؤيد ذلك عبارات الفقهاء في كتبهم على اختلاف مذاهبهم التي تنص على تضمين الطَّبيب الجاهل، وقد ذكر ابن رشد أنَّه إذا أخطأ وهو ليس من أهل المعرفة أن عليه الضرب والسجن والدية، قيل: في ماله، وقيل: على العاقلة. ومثل هذا شامل لجميع أنواع الطب (٣).

وقد ذكر ابن القيِّم أن الطَّبيب لا يكون حاذقًا يثق من نفسه جودة الصنعة وإحكام المصلحة حتَّى يراعي عشرين أمرًا، ثم سردها (٤).

ومفهوم الحديث أنَّه إذا عالجه من له علم وبصارة بالطب أنَّه لا يضمن ما نتج من فعله، وكذا لو أعنت الطَّبيب الحاذق بالسراية فإنه لا يضمن اتفاقًا؛ لأنَّها سرايةُ فعلٍ مأذونٍ فيه من جهة الشرع، ومن جهة الشخص المعالج، وهكذا سراية كل مأذون فيه، كما تقدم، فإن كان الفعل غير مأذون فيه، كما لو ختن صبيًّا بغير إذن وليه فَسَرتْ جنايته ضمن.

ومن تعاطى الطب وهو جاهل به، فهو آثم وعمله محرم؛ لأنَّه مبني على دعوى كاذبة وتغرير بالنَّاس؛ لأنَّ النَّاس لا يذهبون عادة إلى من ليس بطبيب.

وما أخذ من أجرة فهي حرام، وهي من أكل أموال النَّاس بالباطل؛ لكونها ثمرة خداع وتمويه على النَّاس.

ومما يؤسف عليه أن هذا النوع موجود في المجتمع، ففيه رجال ونساء يدعون المعرفة بما يعرف بالطب الشعبي من كَيٍّ وفَصْدٍ وتقديم أدوية مركبة من أعشاب وغيرها، ويعبثون بأبدان النَّاس، ويأخذون الأثمان الباهظة التي تدر عليهم أموالًا طائلة.


(١) "بداية المجتهد" (٤/ ٣٣٨).
(٢) "معالم السنن" (٦/ ٣٧٨)، "زاد المعاد" (٤/ ١٣٩).
(٣) "بداية المجتهد" (٢/ ٢٩٩)، (٣/ ٤٤٢).
(٤) "زاد المعاد" (٤/ ١٤٢) وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>