للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والقول الثاني: أن البكر لا يغرب إلَّا أن يراه الإِمام، وهذا مذهب أبي حنيفة، ورواية عند الحنابلة (١)، واستدلوا بقوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: ٢]، والآية لم تذكر التغريب، فمن أوجبه فقد زاد على كتاب الله، والزِّيادة على كتاب الله نسخ، ولا يجوز نسخ القرآن بخبر الواحد كهذا الحديث، فتبقى دلالة الآية، ويرد ما عداها.

والصواب القول الأول، لقوة أدلته ووضوح مأخذه، وما قالته الحنفية غير مسلم، فإن الزِّيادة على النص لا تكون ناسخة؛ لأن النسخ إبطال ورفع الحكم، ونحن لم نقل بإبطال الجلد، بل نقول بإيجابه وزيادة التغريب عليه بدلالة السنة.

• الوجه الخامس: استدل بهذا الحديث فقهاء الشَّافعية والحنابلة على وجوب تغريب المرأة كالرجل، لقوله: "البكر بالبكر".

وقالت المالكية والأوزاعي: إن المرأة لا تغرب (٢)؛ للأحاديث الصحيحة الواردة في نهي المرأة عن السفر إلَّا مع محرم أو زوج، ويكون عموم حديث الباب مخصوصًا بأحاديث النهي عن سفر المرأة بدون محرم.

وهذا قول قوي؛ لأن تغريبها بدون محرم تعريض لها للفتنة وتضييع لها، وتغريبها مع محرمها يفضي إلى تغريب من لا ذنب له، وإن كلفت دفع أجرة له فقد كلفت بشيء زائد على عقوبتها المنصوصة بالشرع، لكن إن وجد محرم متبرع بالسفر معها إلى محل التغريب فإنها تغرب عملًا بأدلة التغريب، وإن لم يوجد فلا تغرب، لما تقدم، قال الموفق: (وقول مالك فيما يقع لي أصح الأقوال وأعدلها) (٣)، وعلى هذا فيسقط عنها التغريب، وقد ذكر الشنقيطي قاعدة وهي: أن النص الدال على النهي يقدم على الدال على الأمر على الأصح؛ لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح (٤).


(١) "بدائع الصنائع" (٧/ ٣٩)، "الإنصاف" (١٠/ ٣٤).
(٢) "بداية المجتهد" (٤/ ٣٧٩)، "أحكام القرآن" لابن العربي (١/ ٣٥٩).
(٣) "المغني" (١٢/ ٣٢٤).
(٤) "أضواء البيان" (٦/ ٦٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>