للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والحنابلة (١)، واستدلوا بالنص والقياس، أما النص فهذا الحديث، ووجه الاستدلال: أن قول الراوي: (فلما شهد على نفسه أربع شهادات دعاه) إشعار بأن العدد هو العلة في تأخير إقامة الحد عليه وإلَّا لرجمه في أول مرة.

وأما القياس فقد قاسوا الإقرار على الشهادة بالزنا، فكما أنَّه لا يقبل إلَّا أربعة شهود، فكذا لا بد من أربع إقرارال.

القول الثاني: أن يكفي لإقامة الحد إقرار واحد، وهذا مذهب المالكنة والشَّافعية (٢)، لما تقدم في قصة العسيف: "واغد يا أنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها" ولم يذكر إقرارات أربعة مع أن المقام مقام بيان واستيفاء، والفعل المطلق يصدق بالواحد، ورجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الجهنية، كما سيأتي، وإنَّما اعترفت مرة واحدة، ولما قالت: أراك تريد أن تردني كما رددت ماعز بن مالك … إلخ، بين أن ردها لأجل وضع الحمل، مما يدل على أن قصتها بعد قصة ماعز، وأن تكرار الإقرار ليس بشرط.

وأجاب هؤلاء عن أدلة الأولين بما يلي: أما قصة ماعز فعنها ثلاثة أجوبة:

١ - أن الروايات في عدد إقراره مضطربة، فجاء أربع مرات، كما في هذا الحديث وحديث ابن عبَّاس -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-، وفي حديث جابر بن سمرة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - عند مسلم: (أنَّه ردده أربع مرات)، وفيه أيضًا: أنَّه ردده مرتين، وفيه: فرده مرتين أو ثلاثًا، وجاء ثلاثًا في حديث أبي سعيد عند مسلم: (فاعترف بالزنا ثلاث مرات).

٢ - أن ترديد ماعز ليس دليلًا على أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - تصد تكرار الإقرار، بل قصد الاستثبات والتَّبَيُّنَ، بدليل استفساره عن حاله وعن كيفية الزنا، كما في حديث ابن عبَّاس - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - الآتي وغيره.


(١) "بدائع الصنائع" (٧/ ٥٠)، "المغني" (٣٥٤).
(٢) "بداية المجهد" (٤/ ٣٧٣)، "مغني المحتاج" (٤/ ١٥٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>