للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٣ - سلمنا أنَّه لا اضطراب وأنه أقر أربع مرات، لكن هذا أمر فعله ماعز - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - من تلقاء نفسه، ولم يأمره الرسول - صلى الله عليه وسلم - به، ولم يطلبه منه، وكونه أقره عليه دليل على جوازه لا على شرطيته.

وأما القياس فهو غير مستقيم؛ لأن الإقرار في المال لا بد فيه من عدلين، ولو أقر على نفسه مرة واحدة كفت إجماعًا، ولم يقل أحد إنه لا بد من إقرارين، ثم إن هذا القياس ينتقض بأن إقرار الفاسق على نفسه مقبول، بخلاف شهادته، ثم إن اشتراط الأربعة خاص بشهود الزنا، فلا يقاس عليه غيره. على أن اشتراط الأربعة في الشهود إنما هو لمزيد الاحتياط في الحد؛ لكونه يسقط بالشبهة، ولا وجه للاحتياط بعد الإقرار، فإن إقرار الرجل على نفسه لا يبقى بعده ريبة، بخلاف الشهادة عليه.

ومن يرى التكرار ينفي الاضطراب، وذلك بحمل رواية المرتَهِن أنَّه اعترف مرتين في يوم، ومرتين في يوم آخر، بدليل حديث بريدة عند مسلم: (فقال: يا رسول الله، إني قد ظلمت نفسي وزنيت، إني أريد أن تطهرني، فلما كان من الغد أتاه … ) فلعل الراوي اقتصر على أحد اليومين، أما رواية الثلاث فلعل الراوي اقتصر فيها على المرات التي رده فيها، فإنه لم يرده في الرابعة، بل استثبت وسأله، ثم أمر برجمه، أو يقال: بالترجيح بين الروايات.

والذي يظهر - والله أعلم - هو الجمع بين الأدلة وعدم إهمال شيء منها، وهو أن من كان مشكوكًا في عقله ملتبسًا أمره، فلا بد من إقراره أربعًا لحديث ماعز -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، ومن عُرف صحة عقله واتضاح أمره فمرة واحدة؛ لبقية الأحاديث، فإن الرسول - صلى الله عليه وسلم - اكتفى بمرة واحدة في حديث العسيف وقصة الغامدية؛ لظهور الأمر وعدم اللبس، ويؤيد ذلك أن جميع الروايات التي يفهم منها اشتراط الأربع كلها في قصة ماعز - رضي الله عنه -، وقد دلت جميع روايات حديثه على أنَّه - صلى الله عليه وسلم - كان لا يدري عن حاله شيئًا، وقد رجح هذا الشوكاني (١)، والشنقيطي (٢).


(١) "نيل الأوطار" (٧/ ١١٠).
(٢) "أضواء البيان" (٦/ ٣٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>