للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

كبائر الذنوب (١)، وقال الماوردي: (لا يحل لأحد أن يشفع في إسقاط حد عن زان ولا غيره، ويحل للمشفوع إليه أن يشفِّع فيه) (٢). وقد بوب البخاري على الحديث -كما تقدم- بقوله: "باب كراهة الشفاعة في الحد إذا رفع إلى السلطان" وهذا القيد وهو الرفع إلى السلطان لم يرد في لفظ الحديث الذي ساقه البخاري، وإنما جاء في رواية أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لأسامة: "لا تشفع في حد فإن الحدود إذا انتهت إلي فليست بمتروكة" (٣). قال ابن عبد البر: (لا أعلم بين أهل الحلم اختلافًا في الحدود إذا بلغت إلى السلطان لم يكن فيها عفو لا له ولا لغيره، وجاز للناس أن يتعافوا الحدود ما بينهم ما لم تبلغ السلطان، وذلك محمود عندهم) (٤). وعلى هذا فليس للإمام أن يقبل شفاعة أحد كائنًا من كان متى بلغه الحد، بل عليه أن ينفذه، ويقيم شرع الله تعالى.

لكن ما المراد ببلوغ الإمام؟ قالت الحنفية والشافعية والظاهرية: إن المراد ثبوت الحد عند الإمام، أما قبل ثبوته فتجوز الشفاعة.

وقالت الحنابلة وفريق من أهل العلم: إن المراد وصول القضية إلى الإمام، واعتبرت المالكية نواب الإمام كافٍ، مثل الشرطة أو الحرس أو من يقوم مقام ولي الأمر.

والأولى في الشفاعة قبل بلوغ الإمام أن ينظر إلى ما يترتب على ذلك من المصالح والمفاسد، وقد أجاز الشفاعة في ذلك أكثر العلماء إذا لم يكن المشفوع فيه صاحب شر وفساد وأذى للناس، فإن كان لم يشفع فيه، ويظهر أن هذه حالة متفق على استثنائها في الحد والتعزير (٥).

وينبغي أن يعلم (أن العدالة الكاملة، والأهداف السامية للعقوبة لا تظهر إلا إذا كانت عامة وشاملة وتطبق على جميع الناس، دون تمييز طبقي أو


(١) "إعلام الموقعين" (٤/ ٤٠٤).
(٢) "الأحكام السلطانية" ص (٢٨١).
(٣) رواه ابن سعد في "الطبقات" (١/ ١٩١) بلفظ مقارب.
(٤) "التمهيد" (١١/ ٢٢٤).
(٥) انظر: "المنتقى شرح الموطأ" (٧/ ١٦٥)، "المغني" (١٢/ ٤٦٧)، "ضوابط السَّتر في قضايا الأعراض والأخلاق والآداب الشرعية" ص (٦٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>