للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

"الموطأ" (١)، وجزم ابن رشد بأن هذا هو الصحيح من مذهبه (٢).

والقول الثاني: أن أكلها مكروه، وهذا مروي عن مالك، وهو المشهور عند أهل مذهبه، قال ابن العربي: (المشهور عنه الكراهة) (٣).

واستدلوا بحديث الباب، وقالوا: إنه مصروف عن التحريم إلى الكراهة بآية الأنعام: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إلا أَنْ يَكُونَ مَيتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيرِ اللَّهِ بِهِ} [الأنعام: ١٤٥] فهي صريحة في أنه لم يحرم من المطعومات إلا هذه الأربعة المذكورة فيها، وما عداها فهو حلال.

ويبدو أن سبب الخلاف هو معارضة مفهوم آية الأنعام للأحاديث التي جاءت بتحريم أشياء لم تذكر فيها، فأصحاب القول الأول أخذوا بمدلول الأحاديث، وأصحاب القول الثاني تمسكوا بظاهر الآية؛ لأن الحصر فيها ظاهر، فالأخذ بها أولى على رأيهم.

والقول الأول هو الصواب؛ لأن الحديث صريح في التحريم، والنهي لا يصرف عن التحريم إلا بصارف، وآية الأنعام لا دليل فيها لمن يقول بالكراهة؛ لأنها مكية نزلت قبل الهجرة، والمراد منها الرد على أهل الجاهلية في تحريم أشياء من الأزواج الثمانية، كالبحيرة والسائبة والوصيلة والحامي. والأحاديث الدالة على التحريم مدنية فهي متأخرة عنها قطعًا، والآية محكمة حصرت المحرمات بالأربعة المذكورة وقت نزولها، ثم نزلت سورة المائدة بالمدينة وزيد في المحرَّمات كالمنخنقة والموقوذة والخمر، وجاءت السنة بمحرمات أخرى، كما في حديث الباب، وكل ما ثبت تحريمه بطريق صحيح من كتاب أو سنة فهو حرام، فيزاد على الأربعة المذكورة.

وليست الآية من باب نسخ القرآن بالسنة، وإنما هي من باب تحريم شيء بعد شيء زيادة من الله تعالى على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم -.


(١) (٢/ ٤٩٦).
(٢) "بداية المجتهد" (٢/ ٥١٤).
(٣) انظر: "المسالك في شرح موطأ مالك" (٥/ ٢٨٩)، "نيل الأوطار" (١٥/ ٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>