للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والقول الثاني: أنه يكره أكل لحم الجلالة، وهذا قول أبي حنيفة والمالكية، وقول لأصحاب الشافعي، صححه النووي (١)، وهو رواية عن أحمد، وعند الحنفية إذا كان جميع أكلها النجاسة فلا تحل، وإنما الجواز إذا كانت تُخَلِّطُ، قالوا: لأن النهي لا يرجع إلى ذاتها بل لعارض وهو تغير اللحم، وهو لا يوجب التحريم كما لو نَتَنَ اللحم المذكى وتَرَوَّحَ، فإنه يكره أكله على الصحيح، ولا يحرم (٢).

والراجح هو القول الأول؛ لدلالة الحديث وما في معناه من الأحاديث الأخرى التي لا صارف لها، ثم إن نفور الطبع السليم والنفس السوية من الطعام الذي تشم فيه رائحة النتن يؤيد قوة القول بالترك، والله أعلم.

أما تعليل أصحاب القول الثاني فهو تعليل في مقابلة نص، وقولهم: إن النهي لا يرجع لذاتها غير سديد، فإنه يرجع إلى ذات الجلالة؛ لأن هذا اللفظ من صيغ المبالغة، وهو يدل على كثرة أكلها النجاسات، وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أكلها، فيكون النهي عائدًا إلى ذاتها.

° الوجه الرابع: اختلف العلماء في المقدار الذي إذا أكلته الدابة صارت جلالة، على قولين:

الأول: أن يكون أكثر أكلها النجاسة، فإن كان أقل من ذلك فلا تأثير له؛ لأنه إذا غلب عليها النجاسة تغير لحمها ولبنها، وهذا قول في مذهب الحنابلة والشافعية والحنفية (٣).

القول الثاني: أنه لا عبرة بالكثرة ولا بالقلة، وإنما بالرائحة والنتن ولو لم يكثر أكلها النجاسة، فإذا وجد في عرقها أو لحمها رائحة فهي جلالة وإلا فلا، وهذا هو الصحيح من مذهب الشافعية، قال النووي: (الصحيح أنه لا اعتداد بالكثرة، بل بالرائحة والنتن … ) (٤).


(١) "بداية المجتهد" (٢/ ٥١١)، "المبسوط" (١١/ ٢٥٥)، "مغني المحتاج" (٤/ ٣٠٤).
(٢) "بدائع الصنائع" (٥/ ٤٠).
(٣) "المجموع" (٩/ ٢٨).
(٤) "روضة الطالبين" (٣/ ٢٧٨)، "المجموع" (٩/ ٢٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>