للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والراجح هو القول الأول، وهو تحريم الأكل من الصيد الذي أكل منه الجارح، لقوة دليله؛ لأن حديث عدي مخرج في "الصحيحين" وحديث أبي ثعلبة في "السنن"، وهو معلول، كما تقدم.

ثم إن حديث عدي مقرون بالتعليل المناسب للتحريم وهو خوف الإمساك على نفسه، ومتأيد بأن الأصل في الذبائح التحريم، فإذا شككنا في السبب المبيح رجعنا إلى الأصل، كما أنه يتأيد بقوله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيكُمْ} ولو كان مجرد الإمساك كافيًا لما احتيج إلى قوله: {عَلَيكُمْ}.

• الوجه الثالث عشر: في الحديث دليل على أنه لا يحل أكل صيد الكلب المعلم إذا شاركه فيه كلب آخر في اصطياده، لقوله: (فإنك لا تدري أيهما قتله) ومحل ذلك ما إذا كان الكلب الآخر قد استرسل بنفسه أو أرسله من ليس من أهل الذكاة، فإن تحقق أنه أرسله من هو من أهل الذكاة حل، ثم ينظر، فإن أرسلاهما معًا فهو لهما، وإلا فهو للأول.

• الوجه الرابع عشر: اختلف العلماء فيما يُعَلَّمُ من الجوارح الأخرى كالفهد والنمر، ومن الطيور كالصقر والبازي وغيرهما، هل يصح صيدها أو لا؟ على قولين:

الأول: أنه يباح الصيد بكل جارح معلم من الحيوانات والطيور، وهذا مذهب الجمهور من الصحابة، كابن عباس - رضي الله عنهما -، والتابعين، كمجاهد والحسن وطاوس، والأئمة الأربعة، مستدلين بقوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ} [المائدة: ٤] قال ابن كثير: (أي: أُحِلَّ لكم الذبائح التي ذُكِرَ اسم الله عليها، والطيباتُ من الرزق، وأحل لكم ما اصطدتموه بالجوارح، وهي الكلاب والفهود والصقور وأشباه ذلك) (١).

والجوارح في الآية لفظ عام يشمل كل جارحة معلمة، ولم يخص منها شيئًا، وهي بمعنى الكواسب، يقال: جرح فلان لأهله خيرًا: إذا أكسبهم


(١) "تفسير ابن كثير" (٣/ ٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>