للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والقول الثالث: أن له أن يستثني ولو بعد مدة، وعلى هذا يجوز الانفصال، ولا يشترط الاتصال، وهذا مروي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - ومجاهد وسعيد بن جبير، فقد روى الطحاوي من طريق سعيد بن جبير، عن ابن عباس في حديث أصحاب الكهف {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الكهف: ٢٤] قال ابن عباس: إذا قلت شيئًا فلم تقل: إن شاء الله، فقل: إذا ذكرت إن شاء الله (١).

وفي المسألة أقوال أخرى وتقديرات لا دليل عليها؛ لأن التقدير بابه التوقيف، فلا يصار إليه بالتحكم (٢).

والأظهر -والله أعلم- هو قول الجمهور، وهو أنه لا بد من الاتصال، لكن إن حصل فاصل يسير من سكوت أو كلام فإنه لا يؤثر في صحة الاستثناء ما دام الكلام واحدًا، لما تقدم في حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - (٣).

وأما ما روي عن ابن عباس من جوازه إلى مدة فعنه جوابان:

الأول: أنه ورد بأسانيد فيها مقال؛ لأنه لو ثبت ذلك عن ابن عباس - رضي الله عنهما - لم يحنث أحد في يمينه ولم تلزمه كفارة، فكل من حلف وأراد الحنث استثنى.

الثاني: على فرض ثبوته عنه فإن مراده أن المتكلم إذا نسي أن يقول عند كلامه أو مع يمينه: إن شاء الله وذكر بعد مدة، أنه يقول ذلك تبركًا؛ ليكون آتيًا بسنة الاستثناء الوارد في الآية، لا أنه يرفع الحنث ويسقط الكفارة، ذكر ذلك ابن جرير وغيره، قال ابن كثير: (وما قاله ابن جرير هو الصحيح، وهو الأليق بحمل كلام ابن عباس عليه، والله أعلم) (٤).


(١) "شرح مشكل الآثار" (٥/ ١٨٢).
(٢) "المغني" (١٣/ ٤٨٥)، "سبل السلام" (٤/ ٢١٢).
(٣) "الشرح الممتع" (١٣/ ١٠٨).
(٤) "تفسير الطبري" (١٥/ ٢٢٩)، "تفسير ابن كثير" (٥/ ١٤٥). وانظر: "البرهان" للجويني (١/ ٣٨٦)، "المنخول" ص (١٥٧)، "المعتبر" ص (١٦٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>