للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وتعرضه لغضب الله تعالى وعقابه؛ لما فيها من المفاسد العظيمة.

وقد روى البخاري عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من حلف على يمين صبر يقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان، فأنزل الله تصديق ذلك: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} [آل عمران: ٧٧] " (١).

° الوجه الرابع: ظاهر الحديث أن اليمين الغموس لا كفارة فيها، وهو قول الجمهور من أهل العلم، ومنهم مالك وأبو حنيفة وأحمد في المشهور عنه (٢)؛ لأنها من الكبائر، فهي أعظم من أن تكفر، ولكن تمحى بالتوبة الصحيحة، ولا يقال: إن الكبائر فيها كفارة كالجماع في نهار رمضان؛ لأن كفارة الجماع مغلظة، ولو أثبتنا الكفارة في اليمين الغموس لكنا حططناها عن رتبة الكبائر؛ لأن كفارتها مخففة؛ ولأن الوطء في رمضان محرم لعارض، وإلا فالأصل الإباحة، بخلاف اليمين الغموس فهي غير مباحة بحال.

كما استدلوا بقوله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْو فِي أَيمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيمَانَ} [المائدة: ٨٩] ووجه الاستدلال: أن الله تعالى أوجب الكفارة في اليمين المنعقدة، وهي التي قصد عقدها على أمر مستقبل ممكن بحيث يمكن فيها البر أو الحنث، واليمين الغموس غير منعقدة؛ لأنه لا يمكن فيها البر أو الحنث.

والقول الثاني: أن اليمين الغموس فيها كفارة، وهذا قول الشافعي ورواية عن أحمد، وهو قول الأوزاعي وابن حزم وعطاء والحكم، واستدلوا بقوله تعالى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيمَانَ} قالوا: واليمين الغموس يمين منعقدة؛ لأنها مكتسبة بالقلب، معقودة بخبر، مقرونة باسم الله تعالى؛ ولأنه كلما عظم الذنب كان صاحبه أحوج إلى الكفارة (٣).


(١) "صحيح البخاري" (٦٦٧٦).
(٢) "المدونة الكبرى" (٢/ ٢٨)، "تفسير الطبري" (٦/ ٢٦٧)، "التمهيد" (٢١/ ٢٤٩)، "المغني" (١٣/ ٤٤٨)، "الاختيار" (٤/ ٤٦).
(٣) "المحلى" (٨/ ٣٩٥)، "مغني المحتاج" (٤/ ٣٢٥)، "المغني" (١٣/ ٤٤٨)، "الإنصاف" (١١/ ١٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>